وهذا الوصف ينطبق على الحاكم الجهنمي الذي يسبق سيفَُهُ لسانَه، ويبطش برعيته حتى يبعث في نفوسهم الرعب من ظلمه وجوره. يقول النووي رضي الله عنه قوله : >إن شر الرعاء الحطمة< قالوا هو العنيف في رعيته لا يرفق بها في سوقها ومرعاها بل يحطمها في ذلك، وفي سوقها وغيره ويزحم بعضها ببعض بحيث يؤذيها ويحطمها. وإذا كان الأمر كذلك فالجزاء من جنس العمل، عن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا : >اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به<(رواه مسلم)
قال النووي رضي الله عنه: هذا من أبلغ الزواجر عن المشقة على الناس، وأعظم الحث على الرفق بهم.
ومن أعظم ما يلحق المشقة بالرعية المسؤول دون قضاء حوائجهم، وتهاونه في وظيفته حتى تتعطل مصالحهم وحينها يتدمر الناس من سياسته فتنزع الثقة بين الحاكم ورعيته، فتتعرض الأوضاع للزعزعة والاضطراب، ولهذا وعظ أبو مريم الأزدي رضي الله عنه معاوية رضي الله عنه فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : >من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم، احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة” فجعل معاوية رجلا على حوائج الناس<(رواه أبو داود والترمذي)
ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم سبب كونهم من الحطمة وهو أنهم يتنافسون عن السلطة، ويزدحمون على الحكم، ومن كان حاله هكذا فإنه يضحي بكل شيء دون دنياه ومشتهاه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : >كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وسيكون بعدي خلفاء فيكثرون< قالوا : يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال : >أوفوا ببيعة الأول، ثم أعطوهم حقهم، واسألوا الله الذي لكم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم<(متفق عليه)
فلما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بوقوع الازدحام على السلطة وكثرة الخلفاء قالوا : فما تأمرنا فقال صلى الله عليه وسلم أوفوا بيعة الأول أي الذي انعقد له الحكم وهو المتغلب فطاعته واجبة. ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم ولاية أخرى يتقلد فيها العبد مسؤولية الإمامة العظمى. فقال صلى الله عليه وسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : >كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته< : الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته” (متفق عليه)
قوله صلى الله عليه وسلم: >كلكم راع<. الراعي في المصطلح الشرعي هو الحاكم، أي كلكم تتحملون رعاية الشريعة في بيوتكم، لأن البيت هو المكان الذي يجد فيه الإنسان الحرية المطلقة ومن تم فهو مطالب بتربية أبنائه وفق شرع الله داخل بيته. ولهذا قال وكلكم مسؤول عن رعيته” لأن الزوجة والأولاد رعية يسأل عنها الراعي داخل البيت، ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم : >والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته<.