ذ. محمد البويسفي
الشباب فئة اجتماعية مهمة في كل مجتمع، لها مميزاتها وخاصيتها، وأهم هذه المميزات روح المغامرة والإثارة وحب الاكتشاف والتعرف على الجديد، وهذا جعل الشباب أكثر الفئات الاجتماعية إقبالا على شبكة الأنترنت، باعتبارها المجال الرحب للدخول في العالم الافتراضي والإبحار في كل جهات العالم بدون حدود ولاجمارك ولاحاجة إلى جواز سفر.
بدأت الإنترنت فكرة عسكرية في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم انتقلت إلى مجال التعليم والأبحاث ثم التجارة وغيرها واستطاعت جذب الشباب بما توفره له من خدمات إعلامية ومعرفية وترفيهية وتواصلية..، جعلتها تشكل أكبر ثورة في الإعلام، فصار ماكان يعرف بالثورة في الإعلام في حينه لا يساوي شيئا أمام الإنترنت، ابتدأ ذلك بالطباعة ثم الصحافة والسينما والراديو والتلفاز والفضائيات، ثم الأنترنت التي جمعت كل ذلك، فالمتصل بالأنترنت يستطيع أن يكتب وويطبع ويستمع إلى الراديو أو التلفاز، أويصنع أفلاماً أو يعدل الصور.. وهذا أعطاها بريقا لامعا يخطف أبصار الشباب.
ومما جعل الشباب يقبل على “النت” بشكل كبير مايعيشه من فراغ في حياته الواقعية، ومايعرفه من مشاكل اجتماعية واقتصادية تحول بينه وبين الاندماج في الحياة وتحقيق الذات.فيكون العالم الافتراضي في شبكة الأنترنت الملاذ من هذه المشاكل، والمجال الرحب لتحقيق الذات وإثباتها من خلال المشاركة وإبداء الرأي والحوار، أو التمكن من التقنيات والإبداع فيها، والتعويض عما يفتقده في محيطه المحلي والواقعي.
فأقبل الشباب على الأنترنت أكثر من إقباله على التلفاز والفضائيات التي كان يشتكي البعض من تأثيراتها على الشباب، وإذا كانت بعض الدراسات تؤكد أن الشباب ببلوغهم سن18 يكونون قد قضوا وقتا أكثر أمام التلفاز من الوقت الذي قضوه في قاعات الدراسة،فلنا أن نتصور حجم تأثير الأنترنت على التحصيل الدراسي لدى الشباب، وعلى باقي مناحي الحياة، خاصة عندما يتطور تعامل الشباب مع الأنترنت إلى مستوى الإدمان وهومرض جديد لم يكن من قبل، حيث ينقطع المدمن على الأنترنت عن المحيط الاجتماعي والواقعي من حوله، ويتهرب من كل المسؤوليات، فلقد رصد الخبراء أعراض المدمن على الأنترنت، يمكن تلخيصها في:
- تجاوز المستخدم الوقت المحدد لاستخدام الأنترنت
- الشعور بالاضطراب والقلق عند الابتعاد عن الأنترنت
- التعب الجسدي أو الذهني على الشباب
- انخفاظ المستوى الدراسي
- فقدان الاهتمام بالهوايات السابقة
- قلة التبادل مع الأصدقاء
ومن التأثيرات السلبية للأنترنت على الشباب التأثير الأخلاقي، فبالإضافة إلى إمكانية ربط علاقات محرمة بين الفتيان والفتيات عبر الحوارات المباشرة وبالصوت والصورة وتبادل أرقام الهواتف وتحديد المواعد، هناك المواقع الإباحية التي تدمر أخلاق الشباب ومعنوياتهم وقيمهم، إذ تشير بعض التقارير إلى أن عدد المواقع الإباحية حوالي سبعة ملايين موقع، وكل موقع له عشرات الصفحات، وأن عشرة في المئة من هذه المواقع تخدمها مؤسسات متخصصة في تجارة الجنس، سواء من خلال توفير الصورة أو الفيديو أو توفير شبكات دعارة عالمية. وهذه الأرقام تبقى نسبية لأنها في ارتفاع مستمر لما توفره من أرباح مالية طائلة.
لشبكة الأنترنت إيجابيات كثيرة جدا، لكن لها سلبيات خطيرة جدا أيضا، وعلاقة الشباب بالأنترنت لا تخلو من إيجابيات لكن سلبياتها عليه أكثر، فقد أكدت دراسة أن تسعين في المئة من المستخدمين العرب للأنترنت يقتصرون على التسلية والترفيه، مع العلم أن ثمانين في المئة من مستعملي الأنترنت من العرب شباب.
إن هذه التأثيرات وغيرها تفرض علينا إعادة النظر في تربية وتأهيل الشباب للتعامل الإجابي مع شبكة الأنترنت. إن الوقوف على حقيقة علاقة الشباب بالأنترنت يفرض دراسة ميدانية اجتماعية لتحديد مكامن القوة والضعف في مؤهلات الشباب وقدرتهم على الاستفادة السليمة من الأنترنت، وإن الإجابة عن هذه الأسئلة الآتية التي وضعها بعض المهتمين قد تساعدنا في معالجة الوضع:
كيف يستعمل شبابنا الأنترنت؟
هل يستفيد من الأنرتنت في التحصيل العلمي والمعرفي؟ هل تطور الأداء الدراسي سلبا أم إيجابا بعد تعامله مع الأنترنت؟
هل تقوم الأسر بدورها في توجيه أبنائها لاستعمال الأنترنت في الاتجاه السليم؟ هل لعبت المدرسة والجامعة دورهما في تسخير الأنترنت لخدمة المنهج الدراسي؟
هل أنتجنا نحن إنتاجات إعلامية كافية للتفاعل من الأنرتنت على المستوى الدولي والمشاركة في الإنتاج العلمي والمعرفي على الشبكة؟ علما أن المواقع العربية والإسلامية واللغة العربية لا يتعديان واحداً في المئة مما هومعروض على الأنترنت.
وفي انتظار من يقوم بهذه الدراسة من المهتمين بالأمر وأمام هذه التأثيرات السلبية يجب التحرك كل على قدر استطاعته ابتداء من الأسرة ثم المدرسة والمجتمع المدني إلى الدولة.
مسؤولية الأسرة:
- مراقبة الأبناء ومشاركتهم في استخدام “النت” وفتح الحوار معهم حول البريد الإلكتروني والمواقع المستعملة والأصدقاء المضافين في الدردشة، ونوعية الرسائل التي يتوصلون بها..
- وضع الحاسوب في فضاء مفتوح داخل المنزل وليس في مكان مغلق.
- تحذير الأطفال والشباب من التواصل مع الغرباء أو إعطاء المعلومات الشخصية كا لاسم والعنوان أو أرقام الهاتف
- تحديد أوقات معينة لاستعمال “النت” بحيث لا تكون على حساب التواصل مع باقي أفراد الأسرة، ووقت الرياضة، والواجبات المدرسية
- مراقبة وحجب المواقع المخلة بالأخلاق والمشبوهة، فهناك مجموعة من الأجهزة والبرامج التي تحجب أو تمنع هذه المواقع.
- مسايرة التطورات في مجال الأنترنت فغالبا ما يتفوق الأبناء على الآباء في المسايرة والمتابعة لكل جديد في “النت”، وبالتالي إمكانية التحايل على الآباء.
مسؤولية المدرسة:
- المدرسة مطالبة بربط برامجها بالشبكة وتحديد المواقع التي لها علاقة بالبرامج الدراسية وتأطير التلاميذ في كيفية الاستفادة من “النت” بشكل سليم، والعمل على توعية التلاميذ بمخاطر الاستخدام السيء للأنترنت.
- تعليم التلاميذ كيفية البحث عن المعلومة ومعالجتها، بدل الاتكال على “النت” في الواجبات المدرسية، وهناك ملاحظة أن ما يطلبه الأساتذة من التلاميذ من البحوث في “النت”، غالبا ما يعلم التلاميذ الكسل والاتكالية، بحيث يذهب التلميذ عند صاحب مقهى الأنترنت ويطلب منه موضوعا معيناً في صفحات معينة ويقدمه للأستاذ بدون اطلاع على مضمونه ولا إعمال لعقله في معالجة المعلومة أو نقدها.
الـمجتمع المدني:
- الجمعيات الثقافية والنوادي الرياضية ودور القرآن..، مسؤولة عن القيام بدورها في التوجيه والإرشاد للاستعمال السليم “للنت” وعن التحصين الثقافي والأخلاقي للشباب.
الدولة:
- مطالبة بمراقبة الصبيب لدى شركات الاتصالات الكبرى وذلك لحظر المواقع الإباحية والمتاجرة في الجنس والمواد المخلة بالأخلاق العامة. فبعض الخبراء يقدر أن ستين في المئة مما هو معروض على “النت” عبارة عن مواقع إباحية ودعارة، وفي التقرير الأخير لمنظمة “صحفيون بلا حدود” جاء أن بعض الحكومات الديموقراطية تمارس نوعا من الرقابة على الأنترنت منها أستراليا وكوريا الجنوبية، وذكر التقرير أن البرلمان الأسترالي عالج في شهر يناير 2008 مشروع قانون يلزم متعهدي الأنترنت بأن يجعلوا لكل بيت أسترالي خطين أحدهما خاص بالبالغين والثاني خاص بالأطفال. والخطان يخضعان لمراقبة صارمة وسرية.
لقد ولى عهد حصر مهمة أولياء الأبناء والشباب في توفير الحاسوب وربطه بشبكة الأنترنت وجعله فيمتناول الأبناء، بل يجب تأهيل الشباب للاستفادة السليمة من كل ما هو جديد، وإلا فإن انفتاحنا على التقنيات الحديثة بدون مؤهلات يجعلنا عرضة لفقدان الهوية الحضارية والأخلاقية، بل وفقدان أجيال من الشباب هم مستقبل الأمة، وندخل في زمن تيه جديد أكثر مما نحن عليه، إن التعامل مع الأنترنت أصبح أمرا مفروضا علينا، وإلا سيتجاوزنا التاريخ.