إن اختيار الاديب لموقفه الفكري أو لمضمون عمله الأدبي عند نجيب الكيلاني يستند إلى دعامتين أساسيتين وهما :
1- المعتقد الفكري للأديب.
2- التشخيص الصحيح لمشاكل المجتمع وسلبياته واحتياجاته، التي تحتاج إلى الأسلوب الأمثل لحركته الشاملة.
فالارتباط بين الدعامتين ارتباط عضوي، ومن ثم فإنه من الصعب الفصل بينهما لما بين الاثنين من علاقة متبادلة والقائمة على التأثير والتأثر، الأخذ والعطاء؟
ومن هذا المنطلق فالأدب الإسلامي يتواءم مع هذه المفاهميم الاجتماعية للأدب، بل إن العلاقة بين الأدب والحياة، أو الأدب والمجتمع علاقة واضحة جلية في فكر الأديب المسلم الذي يدرك أبعاد رسالته، وهي تجاربه الحضارية، ويفهم التلاحم الوثيق بين المبادئ الاسلامية وحركة الحياة على مدار العصور والأزمنة.
إن الأديب المسلم ليس منغلقا في قمقم التراث والتاريخ القديم، بل إن رسالته في الحياة لا تستقيم ولا تكتمل على وجهها الصحيح والسليم إلا إذا عايش عصره، واستوع آلامه وآماله، وشخص داءه، وضبط مقاييسه التي ينظر بها للأحداث، وكان قادرا على الحوار العلمي من جهة والعطاء الفني من جهة ثانية.
ولا حاجة بنا إلى ذكر القاعدة التي تعتبر الأديب يعيش في واقع عيني تؤطره حدود زمانية ومكانية تلعب دورا فعالا في تشكيل وبلورة إحساسه وأفكاره وتطلعاته وغيرها من الامور التي لا تلبث أن تطفو على السطح في شكل ممارسات أدبية واجتماعية، والأدب الإسلامي لا يجادل في هذه القضية، ولكن النتائج المترتبة عنها هي التي يضعها تحت مجهر البحث والتحليل. وقد يقول قائل : إن استقصاءا بسيطا للانتاجات الأدبية تبين لنا بأن المشاكل المحلية تتخذ طابع الشمولية والاحتواء الكلي للجنس البشري. هذا صحيح، والأدب الإسلامي لا يناقش هذا الجانب لأنه خطوة يدعو إليها ويتبناها في كل وقت وحين. لكن المسألة من منظور الأدب الإسلامي تتخذ شكلا ذا طبيعة مختلفة فكريا وفنيا، فمن باب أولى أن يعيش الأديب بعقلية ونفسية توسع مفهوم الآخر والواقع والجماعة، فتدل هذه الكلمات في أدبياته على العربي والأوربي والأمريكي والأسيوي والإفريقي.. وتتخذ مأساة الآخر مفهوما حاضرا في الذهن والفكر والوجدان وليس مفهوما حياديا كما هو حالنا اليوم.
إن الأديب المسلم يعيش ويساير هذه الأجواء الكونية وما يترتب عنها من مشاعر وخلجات، وأحاسيس وآهات. ولقد تجسدت هذه المعاني بصورة عميقة في كل ما أنتجه الكيلاني من أدب إلى درجة أنها تشكل إحدى زوايا رؤيته الكونية، ويكفي أن نذكر في هذا السياق أبياتا شعرية من قصيدة “الشيطان” المقتطفة من ديوانه الشعري “كيف القاك” والتي يقول فيها :
شيطان من ينهر أيتام الدرب
أو يبني أسوارا للحب..
أو يشمل بين الأحباب الحرب..
الأرض وكل القارات الخمس
مجال للحب..
والبسمة فوق شفاه الأطفال
يطفئها ليل الأغلال الأسود
القيم العليا ـ لو تعلم ـ
تكره لغظ الأسوار
يهدمها الأحرار
أقدس معركة في الدنيا
معركة تهدم فيها الأسوار
انسام الحرية تروي الظمآى طول الدهر
فليخسأ زمن القهر..
د. عبد المنعم الوكيلي