قال أبو إسحاق السبيعي رحمه الله (لا إله إلا الله، كبر سني ورق عظمي وذهبت الصلاة مني، فلم أعد أقوم إلا بالبقرة وآل عمران)، فتأمل يرعاك الله في هذا العابد الزاهد كيف تحسر على فوات طول القيام ومكابدة الليل في التهجد والصلاة، والتقرب إلى رب الأرض والسماوات. ثم انظر إليه وقد كبر سنه ووهنت العظام منه. ثم هو بعد يقوم الليل بالبقرة وآل عمران.
سبحان الله سبحان الله ما أعلاها من همم وما أشدها من عزائم!!!. يرحمك الله يا أبا إسحاق، لو رأيتنا وقد زهد بعضنا في الصلاة المفروضة، ولا يأتيها بعضنا إلا وهم كسالى. يستعجلون أداءها، ولا يتمون ركوعها وسجودها، كأن لسان حالهم يقول : “أرحنا منها يا إمام!!”.
هذه حالنا مع الصلاة المفروضة، فليت شعري ما الحال مع النوافل؟؟!!!
إن المؤمن السالك إلى ربه، الراغب فيما عنده، الراجي عفوه، المتطلع إلى القرب منه والأنس به ونيل رضوانه، لا سبيل له إلى كل ذلك إلا إذا جعل الصلاة قرة عينه، وسلوة نفسه، ومحل أنسه، وجنته التي يستظل بظلالها الوارفة، ويستنشق عبيرها الأخاذ، ويحيي نسيمها منه القلب والفؤاد.
قال بعض السلف : “إذا أردت أن تصل إلى منزلك الأول، فعرج على وادي المتهجدين فإن القافلة تمر من هناك”.
ولعل وقوف النبي صلى الله عليه وسلم في محرابه يناجي ربه حتى تفطرت قدماه، مع ما كان يضطلع به من أعباء ومسؤوليات خير دليل على أهمية الصلاة للسالك. وقد وعى الدرس الفاروق عمر رضي الله عنه. فقال للذي استغرب قلة نومه، وكثرة صلاته : “إذا نمت النهار أضعت رعيتي، وإذا نِمْتُ الليل أضعت نفسي”. وسار على هديهما السلف فكانوا شامة بين الناس، وأقبلوا على الصلاة، واستمتعوا بها، واتخذوها وسيلتهم إلى الدخول على مولاهم.
يقول ثابت البناني رحمه الله :”كابدت الصلاة عشرين سنة، ثم استمتعت بها عشرين سنة”.
ويقول محمد الحمصي : “رأيت ابن أبي الحواري، فما صلى الفريضة قام يصلي فاستفتح ب “الحمد لله” إلى قوله تعالى (إياك نعبد وإياك نستعين) فطفت حول الكعبة كلها ثم رجعت، فإذا هو لم يتجاوزها، فلم يزل يرددها حتى أصبح).
فانظر أيها الحبيب إلى هذه النجوم المضيئة والكواكب المنيرة، وقل لنفسك :”سبقك الرجال يا مسكينة، حتى متى تتسكعين في درب الغفلة والبطالة، فهيا قومي وحثي الخطى، فمن سار على الدرب وصل.
وكل صلاة وأنتم من الله أقرب.