تهدف هذه المداخلة إلى إبراز أهمية اللغة العربية لفهم كتاب الله عز وجل وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، ثم الحد الأدنى المطلوب تعلمه منها للقيم الديني وكيف ينبغي توظيفه لإنزال المفاهيم على أرض الواقع بحسب أحوال المخاطبين.
الموضوع : التكوين اللساني للقيم الديني
يتألف عنوان هذه المداخلة من شطرين:
أولهما : التكوين اللساني. وثانيهما : القيم الديني. وينبغي الانطلاق من شطري العنوان المقترح لهذه المداخلة حتى لا نبعد عن المقصود. ونقول وبالله التوفيق : إن الجزء الثاني “للقيم الديني : يقيد الحديث بالنسبة للشطر الاول. والشطر الثاني مبين بشكل أوضح في السّشطر الثاني لمقدمة برنامج هذا اللقاء المبارك : “دورة تواصلية علمية لفائدة السادة الوعاظ، وخطباء الجمعة بفاس” فالسادة الوعاظ والخطباء هم المعنيون بالتكوين اللساني(1). وهذا ما جعلنا نقترح لهذه المداخلة ثلاثة عناصر هي :
ـ أولا : أهمية اللغة العربية لفهم كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ولماذا؟(2),
ـ ثانيا : الحد الأدنى الذي ينبغي توفره منها لدى القيم الديني : الواعظ، والخطيب وكيف؟(3).
ثالثا : إجراءات توظيف قواعد اللغة لإنزال المفاهيم على أرض الواقع مراعاة لأحوال المخاطبين(4).
إن معالجة هذه العناصر الثلاثة بالشكل المطلوب يستوجب استحضار دلالة الكلمة الأولى في عنوان هذه المداخلة وهي : “التكوين” والتكوين مصدرُ فعل “كوَّن” على وزن “فَعَّل” وتضعيف عين الفعل الثلاثي- غير الهمزة- قد تفيد التكرار والتمهل نحو علّمت الراغب، وبصرته بالحقائق” النحو الوفي 4/694.
وعليه فدلالة المصدر “التكوين” لا تنفصل عن دلالة الأصل “كوّن” ولذا يقول الكفوي : “والتكوين : ما يكون بتغيير وتدريج غالبا (الكليات 29) وهو صفة يتأتى بها إيجاد كل ممكن وإعدامُه على وفق الإرادة” نفسه 256.
هذا عن كلمة التكوين : التي أفادت هذه الوقفةُ القصيرةُ عندها أنها تستلزم الارادة والتدرج لتغيير كل ممكن إيجابا أو سلبا. إذا وقع التكرار، والتمهل، وحصلت الرغبة.
أما كلمة اللساني المركبة من المنسوب إليه وياء النسبة(ü) في علاقتها مع القيم الديني (المسلم) فتحيلنا على نوع الخطاب الذي ينبغي أن نكون في مستوى فهمه وإفهامه وهو كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهنا نقول : اعتبار المصطلح اللساني الواردة في الموضوع.
إن الخطاب القرآني يتألف من بنيات لغوية تفترض السمو بأي منهج تحليل (لغوي) يقترح لدراستها عما قد يكون مألوفا ومتداولا بين الناس، ذلك أن المناهج اللسانية المتداولة في الواقع تتحدث في منطلقاتها -ومن حقها أن تفعل ذلك- عن اللغات الطبيعية، على اعتبار أنها أي اللغات الطبيعية أهم أدوات التواصل بين الناس والسؤال الوارد بحدة في هذا السياق هو هل الخطاب القرآني لغة طبيعية بالمقاييس المتبعة حتى تقترح له أدوات التحليل اللغوي المستفادة من هذا المنهج أو ذاك؟ أم أنه منها بوجه ما دام قد نزل بلسان عربي مبين على حد قوله تعالى : {نزل به الروح الأمين، على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين}(الشعراء : 193) ويسمو عنها بوجوه، لأنه صادر عن أقوى مخاطِب يتحكم في الكون على الإطلاق، ويدبر شؤونه بدءا ونهاية. قال تعالى : {وهو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا..}(البقرة : 28). وقال : {وخلق كل شيء فقدره تقديرا}(الفرقان : 2). وقال ردا على مزاعم اليهود والنصارى {بل أنتم بشر ممن خلق، يغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء. ولله ملك السموات والأرض وما بينهما وإليه المصير}(المائدة :20).
هكذا يلاحظ أن فعل “خلق” في النصوص القرآنية أعلاه منسوب إلى فاعل أقوى، يسلط فعله على كل الكائنات مما جعل المفعول يأتي بصيغ العموم، فهو أي المفعول جاء “ما” في الآية الأولى، و”كل” في الثانية و”من” في الثالثة.
وهذا ما يؤكد لسانيا أن هذا الفاعل ذو سلطة لا تدانيها سلطة، ومن ثم فخطابه لا يدانيه خطاب. فكيف ينبغي التعامل معه، وما هي الأدوات المناسبة لذلك؟ فكيف ينبغي أن يكون زاد الخطيب والواعظ في هذا المجال؟
أولا : اهمية قواعد اللغة العربية لفهم كتاب وسنة رسوله قال تعالى : {نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين}(الشعراء : 195).
وقال : {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم}(إبراهيم : 38).
والملاحظ أن الآيتين تتضمنان كلمات لافتة للانتباه ينبغي الوقوف عندها لتأملها منها : الروح الأمين- قلبك- لتكون من المنذرين- بلسان عربي مبين- ومنها : بلسان قومه ليبين لهم، وقد وُصف خطاب الحق سبحانه في محكم تنزيله بالمصطلحات التالية :
أ- لسان عربي ثلات مرات 3.
ب- قرآن عربي ست مرات 6.
هـ- حكم عربي مرة واحدة 1.
ولكل تسمية من بين هذه التسميات دلالتها الخاصة ووظيفتها التي تقوم بها لإبراز أهمية خطاب الحق سبحانه للناس، أو وسيلة تبليغه. ولعل وصف كل مصطلح من بين هذه المصطلحات الثلاثة بصفة عربي يعطي الأولوية لعلم اللغة من بين العلوم المعتمدة لفهم كتاب الله عز وجل وإفهامه ولذا نقول : إن معالجة هذا الموضوع : أهمية اللغة العربية لفهم كتاب الله عز وجل تقتضي تناوله من زوايا ثلاثة هي :
أ- القرآن الكريم وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ب- اللغة العربية بقواعدها المتشعبة الغنية بالرموز المعبرة بدقة عن المقصود.
هـ- الانسان باعتباره أشرف الكائنات على وجه الأرض وهو المعنى بخطاب الحق سبحانه على مراحل (النداء في القرآن).
فالقرآن الكريم باعتباره موضوعا يعني الخطيب والواعظ فمنه يستمدان مواعظهما وتوجيهاتهما للناس، واللغة باعتبارها أداة التواصل التي ينبغي أن توظف بالشكل المطلوب لإفهام الناس أمور دينهم ودنياهم.
> وكتاب الله تعالى لا يقدم عليه سواه، ولذا تبدأ به مع الاقتصار على أمثلة مما يحققه للإنسان من المزايا والفوائد التي تنير له الطريق في حياته العامة والخاصة. أورد أبو حيان في مقدمة تفسيره البحر المحيط الحديث التالي : “ومما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “إنه ستكون فتن كقطع الليل المظلم، قيل فما النجاة منها يا رسول الله؟ قال كتاب الله تعالى…”(الحديث البحر 1/23).
نظرا لهذه الأهمية التي للقرآن الكريم في حياة الانسان المسلم (وفي وقت الشدة) حث الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين على تعلمه وتدبره لحل مشاكلهم من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : >إن هذا القرآن مأدبة الله فتعلموا من مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله، وهو النور المبين، والشفاء النافع، عصمة من تمسك به، ونجاة من اتبعه… الحديث<.
هذا هو القرآن الكريم كما وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم”.
> والملاحظ أن جملة “وخبر ما بعدكم” تشعر بتحطيم حواجز الزمن كما هو معروف عند الانسان، لان الفاعل القائل ليس كالفواعل المعروفة، وهذا ما يشعر بأن متن القرآن الكريم له خصوصيته التي تجعله متميزا عن لغة الانسان العادية وهذا ما يستوجب معرفة خاصة بقواعد اللغة العربية بالمستوى الذي يمكن من التعامل مع النص القرآني بشكل سليم ومن ثم نصوص الحديث الشريف نظرا لما بين النوعين من ترابط وتكامل في ميدان التشريع، وفي هذا السياق يقول : ابن القطاع : “واعلم أن أفضل ما رغب فيه الراغب، وتعلقن به الطالب معرفة لغة العرب التي نزل بها القرآن وورد بها حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، لتُعلم بها حقيقة معانيها، ولأن لا يَضِلّ من أخذ بظاهرها (أي الحديث والقرآن).
وقال بعض الحكماء : اللغة أركان الأدب، والشعر ديوان العرب، بالشعر نُظمت المآثر، وباللغة نُثرت الجواهر، لولا اللغة ذهبت الآداب، ولولا الشعر بطلت الأحساب بلغة العرب.
نزل القرآن، وبشعرهم مُيز الفرقان، من ذم شعرهم فجر، ومن طعن على لغتهم كفر<(كتاب الأفعال 1/6).
ومما يدل على معرفة شعر العرب يساعد صاحبه على حل بعض الإشكالات التي تعرض لفهم كتاب الله عز وجل ما أورده القرطبي إذ يقول : >سمعنا ابن عباس يُسأل عن الشيء في القرآن فيقول فيه هكذا وهكذا أما سمعتم قول الشاعر يقول كذا وكذا<.
* وعن عكرمة عن ابن عباس : وسأله رجل عن قول الله عز وجل “وثيابك فطهر” قال : لا تلبس ثيابك على غدر وتمثل بقول الشاعر :
فأنى بحمد الله لا ثوب غَادِر لبست ولا من سَوْءة أتقنَّع
وسأل رجل عكرمة عن الزنيم قال : هو ولد الزنى وتمثل ببيت شعر :
زنيمٌ ليس يُعرف من أبوه بغيُّ الأم ذو حسب لئيم
ومما أورده أبو حيان في هذا السياق قوله : “روى ابن عباس أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : “أي علم القرآن أفضل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : عربيته، فالتمسوها في الشعر… البحر المحيط 1/24-52.
وقال أيضا : “أعربوا القرآن” والتمسوا غرائبه فإن الله تعالى يحب أن يعرب… وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوها كثيرة ” وقال الحسن : أهلكتكم العُجمة يقرأ أحدكم الآية فيعيا بوجوهها حتى يفتري على الله فيها” البحر المحيط 1/24-25.
* فالعربية من أهم علوم القرآن إن لم تكن أهمها على الإطلاق لأن وجوه فهم القرآن لا تتم إلا بإتقان اللغة العربية التي هي لغة الوحي، وبها بلغه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته، وعلى كل من يريد فهمه فهما سليما أن يتقن هذه اللغة، كيف لا وقد قيل “أولى الناس بالفضل في اللسان من لسانه لسان نبي، ولا يجوز- والله أعلم- أن يكون أهل لسانه أتباعا لأهل لسان غير لسانه في حرف واحد، بل كل لسان تبع للسانه.. وقد بين الله ذلك في غير آية من كتابه قال الله عز وجل : {وإنه لتنزيل رب العالمين} الآية وقال : {وكذلك أنزلناه حكما عربيا}.
وقال :{وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها} وقال : {قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون}.
قال الشافعي : فأقام حجته بأن كتابه عربي في آية ذكرناها ثم أكد ذلك بأن نفى عنه- جل ثناؤه- كل لسان غير لسان العرب في آيتين من كتابه : قال تبارك وتعالى : {ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين}.
وقال : {لو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته آعجمي وعربية}.
* ويضيف وإنما بدأت بما وصفت من أن القرآن نزل بلسان العرب دون غيره : لأنه لا يَعْلَمُ من إيضاح جُمل علم الكتاب أحد جهل سَعَةَ لسان العرب، وكثرة وجوهه.. ومن عَلِمَهُ انتفت عنه الشبه التي دخلت على من جهل لسانها” الرسالة 46.
* ويبدو أن بعض البنيات اللغوية أولى من بعض في فهم كتاب الله عز وجل، وفي هذا السياق يقول ابن القطاع : اعلم أن الأفعال أصول مباني أكثر الكلام، ولذلك سمتها العلماء الأبنية، وبعامها يستدل على أكثر علم القرآن والسنة وهي حركات مقتضيات، والأسماء غير الجامدة والنعوت كلها منها مشتقات… ” كتاب الأفعال 1/8.
> إن الأمر يقتضي فهم طبيعة بنيات الكلمات في اللغة العربية، وضبط أدواتها لأجل استنطاق النص القرآني استنطاقا ذاتيا كلما دعت الضرورة لمعالجة مستجد من مستجدات الحياة، أو للاستشهاد على نازلة من النوازل دون الإخلال بمضمون النص، أو تنزيله في غير محله.
هذا أمر ممكن بالنسبة لمن ضبط قواعد اللغة العربية، وسلم قصده لطلب الحقيقة دون سواها من الأغراض التي قد تشوش على المقاصد النبيلة، ولذا يقول أبو حيان : “ومن أحاط بمعرفة مدلول الكلمة، وأحكامها قبل التركيب، وعلم كيفية تركيبها في تلك اللغة، وارتقى إلى حسن معرفة تركيبها وقبحه، فلن يحتاج في فهم ما تركب من الألفاظ إلى مُفهم، ولا مُعلم، وإنما تفاوت الناس في إدراك هذا الذي ذكرناه، فلذلك اختلفت أفهامهم وتباينت أقوالهم…”(البحر المحيط 1/13).
> وتعرف أحوال بنية الكلمة العربية في علم التصريف، ولذا قيل : “إن العلم به أهم من معرفة النحو في تعرف اللغة لأن التصريف نظر في ذات الكلمة، والنحو نظر في عوارضها…
> قال ابن فارس : من فاته علمه، فاته المعظم لأن نقول “وَجَد” كلمة مهملة، فإذا صرفناها اتضحت، فقلنا في المال : “وَُجداً” وفي الضالة “وِجْداناً” وفي الغضب “مَوْجِدة” وفي الحزن “وَجْداً قال تعالى : {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا} وقال تعالى : {واقسطوا إن الله يحب المقسطين} فانظر كيف تحول المعنى بالتصريف من الجور “القاسطون” إلى العدل “المقسطين” ويكون ذلك في الأسماء والأفعال فيقولون للطريق في الرمل “خِبَّة” وللأرض المخصبة “خُبَّة” وغير ذلك.
وثمة أفعال تتجلى فيها الفروق الدقيقة بالتصريف مثل فعل “ق رَُِ ب” فحرف الراء الذي يمثل عين الكلمة محتمل للحركات الثلاثة، الفتحة، والضمة، والكسرة، ولكل شكل دلالته الخاصة المختلفة عن دلالة الشكلين الآخرين، والفروق دقيقة.
يقول ابن منظور :
- قَرُب الشيء بالضم يقرُب أي دنا. قال تعالى : {ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب} جاء في التفسير أخذوا من تحت أقدامهم. وقوله تعالى : {وما يدريك لعل الساعة قريب}.
ب- التهذيب : وما قَرِبْتُ هذا الأمر ولا قرَبْتُه، قال تعالى : {ولا تقربا هذه الشجرة}، وقال : {ولا تقربوا الزنا} وقَرِب الشيء دنا منه، وقَرَبْت أقرب قرابة مثل كتبت اكتب كتابة إذا سرت إلى الماء وبينك وبينه ليلة<(ل ع 1/666) هذا بالإضافة إلى تنوع مصادر قَرُب بالضم لانها، يقال : “قَرُبَ الشيءُ منا “قُرْباً” وقرابة” و”قُربة وقُربى (ف) يقال : القُرْبُ في المكان، والقربة في المنزلة والقُربى والقَرَابة في الرحم.
> لهذا كان علم التصريف من أهم علوم العربية، وفيه يقول ابن عصفور : “التصريف أشرف شَطْريْ العربية وأغمضُها، فالذي يبين شرفه : احتياج صيغ المشتغلين باللغة العربية من نحوي، ولغوي إليه أيما حاجة لانه ميزان العربية…”
ويمكن أن نُلخِّصَ الحد الأدنى الذي ينبغي تحصيله بالنسبة للقيم الديني من اللغة العربية، فيما يحفظ لسانه من اللحن وذلك بأن يضبط وظائف العلامات الاعرابية التركيبية من نصب، وجر ورفع . يقول الزمخشري : وهو يتحدث عن علامات الاعراب ووظائفها (العامة) : “هي الرفع، والنصب، والجر، وكل واحد منها علم على معنى. فالرفع علم الفاعلية، والفاعل واحد ليس إلا. وأما المبتدأ وخبره، وخبر إن وأخواتها…إلخ فملحقات بالفاعل على سبيل التشبيه والتقريب. وكذلك النصب علم المفعولية، والمفعول خمسة أضرب : المفعول المطلق والمفعول به، والمفعول فيه، والمفعول معه، والمفعول له.
والحال، والتمييز، والمستثنى المنصوب، والخبر في باب كان، والاسم في باب إن، والمنصوب بلا التي لنفي الجنس، وخبر ما، ولا المشبهتين بليس فملحقات بالمفعول…”
> يستفاد من هذا النص أنه ينبغي ضبط التصور العام للأصول والفروع في أبواب النحو، مع الانتباه إلى الوظائف المتنوعة الناتجة عن تنوع التسميات في باب واحد. فإذا تأملنا مثلا تسميات المفعولات فإننا نلاحظ أن لكل مفعول وظيفته الدلالية العامة والخاصة، ونعني بالوظيفة العامة أن كل تسمية تستعمل في مجال معين من مجالات الخطاب فمجال المفعول به، غير مجال المفعول المطلق، ومجال هذين غير مجال المفعول فيه، أو له، أو معه، ولذا صار لكل مفعول تعريف خاص يحدد مجال وظيفته التي له نِسْبةٌ من العموم فيها، فالمفعول به ما وقع عليه فعل الفاعل (238) والمفعول المطلق هو المصدر المؤكد بعامله، أو المبين لنوعه، أو لعدده (249) والمفعول له : اسم يذكر لبيان سبب وقوع الفعل (200هـ) والمفعول فيه : ما ذكر فضله لأجل أمر وقع فيه (254) والمفعول معه : اسم يقع بعد واو بمعنى >مع< على ما وقع الفعل بمصاحبته (202هـ).
هذا بالنسبة للوظيفة العامة التي تعني التفريق بين المجالات.
أما الخاصة فهي دلالة كل مفعول في مجاله باعتباره قيمة مميزة بين الكلمات في المعجم العربي، ولذا ينبغي الوقوف عند الكلمات التي تميز كل نوع من غيره أثناء الخطاب : مفعول + قيد مميز لنوعه مثل + به + مطلق + فيه + له + معه. وذلك لتوظيفها بالشكل المناسب في السياقات التي ترد فيها، فمثلا ما دلالة المفعول به في الآيات التالية : {وورث سليمان داوود(النحل : 16)، و{إن الله بالغٌ أمْرَه}(الطلاق : 3)، و{ولولا دفاع الله الناس}(البقرة : 251)، و{عليكم أنفسكم}(المائدة : 105).
وما دلالة المفعول المطلق في مثل قوله تعالى : {وكلم موسى تكليما}(النساء : 164) وقوله : {فلا تميلوا كل الميل}(النساء : 129)، وقوله : {فاجلدوهم ثمانين جلدة}(النور : 4) وقوله : {كذبوا بآياتنا فأخذناهم أخْذَ عزيز مُقتدر}(القمر : 42).
وماذا يفيد المفعول لأجله في قوله تعالى : {يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت}(البقرة : 19) وقوله : {والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم}، وقوله : {اذكر ربك في نفسك تضرعاً وخفية}(ق : 210)، وأي معنى لمفهوم الظرفية في السياق الذي وردت فيه كما في الآيات التالية {إنه على رجعه لقادر يومَ تبلى السرائر} وقوله : {لابثين فيها أحقاباً} وقوله : {ماكثين فيها أبداً} وهكذا…الخ.
وعليه ينبغي الوقوف عند كل آية ورد فيها مفعول من بين هذه المفعولات لمعرفة دلالتها في السياق العام لكتاب الله عز وجل!.
ونختم بقول الشاعر في مدح قواعد اللغة العربية
النحو يبسط من لسان الألْكن والـمَرْء تكرمه إذا لم يَلْحَن
وإذا طلبت من العلوم أجلها فاجلها نفعًا مُقيم الألسُن
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
———–
(ü)- و(1)هذا ما يخص الموضوع (2) وهو مجال القيم الديني اللساني المقصود بالدرجة الأولى (3) وقلنا الحد الأدنى لأن المستويات متفاوتة. والحد الأعلى غير مقيد نظرا لطبيعة النص الإعجازية (4) وهو أمر لا تكاد القواعد تضبطه. لأنه بتوقف قدرات المعنى وكفاءته.