اقتضت سنة الله أن يكون النصر دائما حليفا للمسلمين، إذا توفر فيهم شرط الاتحاد بين بعضهم البعض، والاعتصام بكتاب الله عز وجل وهدي نبيه الأكرم عليه أفضل الصلاة والسلام. قال الحق جل ذكره في سورة الأنفال في الآية 47 منبها ومحذرا: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين}، وقال سبحانه كذلك في سورة آل عمران في الآية 103: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}.
إن هاتين الآيتين الكريمتين تنهيان المسلمين عن أي تنازع وتفرقة. لأن ذلك يفضي بهم إلى بلاء شديد، يشقيهم ويتعبهم ويفوت عليهم فرصا كثيرة في الريادة الحضارية وتقوية أنفسهم. وهذا الابتلاء لا يكون إلا على يد أعدائهم من اليهود والنصارى والملل الأخرى الكافرة، وتلك سنة مطردة ملحوظة. فما يجري على أرض فلسطين وبلاد الإسلام الأخرى من وقائع وجرائم لن تنساها البشرية ولا التاريخ، هي من إفسادات بني إسرائيل المتوالية على أرض الله الذي أمر بعدم الإفساد فيها، فقد قال تعالى في سورة الإسراء: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الارض مرتين ولتعلن علوا كبيرا}.
ومهما اختلف المفسرون في زمني هذين الإفسادين، أكان الإفساد الأول قبيل الإفساد البابلي الذي تم على عهد نبوخذ نصر، حيث شردهم وأحرق ديارهم، وسجن عددا كبيرا منهم؟ وما إن رجعوا إلى حياتهم العادية بعد هذا الابتلاء المؤلم لهم حتى عادوا إلى الفساد في الأرض، أم كان في عهد سيدنا محمد ؟ أم كان بعد؟ فالذي يعنينا هوالإفساد الثاني، وتدل الملاحظات العلمية الدقيقة، واستقراءات وقائع التاريخ أن هذا الإفساد الثاني هو في هذا الزمان المتأخر من عمر البشرية، مع تنوعه وشموليته لكثير من المجالات، فهناك فساد أخلاقي، حيث شجعوا على تفسخ الأخلاق، وعملوا على محو وازع الدين، وتغييب جانب القيم بنشر الخلاعة والمجون، ناهيك عن العمل الجاد في تحريضهم على الإباحية الجنسية وطغيانها وتعرية المرأة، واستغلال أنوثتها وعرض مفاتنها لإدرار الأرباح الطائلة على الشركات الرأسمالية، وتجاوزوا ذلك إلى الإفساد الاقتصادي بتشجيعهم للربا وفشوها في كل أصقاع المعمور. بل إن النظام الرأسمالي المشين ما هو إلا وليد التجارة اليهودية، أفرزوه بتجميع رؤوس الأموال الطائلة من تجارتهم التي قامت على أساس التعامل بالربا، والربا حرمها أنبياء بني إسرائيل، وذلك ما يؤكده دهاقنتهم وفلاسفتهم وعلماء اقتصادهم، أما الإفساد السياسي فما يلاحظ من تدخلهم في شؤون الدول الآمنة، واغتصاب أراضي الآمنين، وعقد الولاءات مع الأمم القوية الظالمة المجمعة للمال والعتاد، كما هوشأنهم في تاريخهم الطويل لحماية أنفسهم وتمرير مخططاتهم، واستغلال الثروات وتكديسها بالطرق غير الشرعية، كل ذلك بائن للعيان، باد لأهل البصائر في تحالفهم مع أمريكا والغرب الظالم،بل وسموا كل دفاع عن الحق تطاولا، وكل استماتة في سبيل الحق إرهابا.
إن المعركة بين المسلمين واليهود قاسية ومؤلمة، وإفسادات اليهود في زماننا هذا جرائم عظيمة لا ينكرها إلا متعاطف معهم، وعدو لدود للمسلمين، أومنافق بين النفاق، وأفعالهم الإجرامية على الأرض المقدسة تدخل في صلب إفسادهم الثاني المتأخر، والذي بدأ مباشرة بعد سنة 1917م، وما الإمدادات الغربية الكثيرة والمتتابعة لهم من مال ورجال وخبراء ومتاع وأسلحة وتأييد صريح في المحافل الدولية إلا لمساعدتهم علنا لتدمير الإسلام، وكسب الغلبة لهم على أهله وإذلالهم، وإبقاء أرض فلسطين، وبالتحديد بيت المقدس تحت سيطرتهم، مصداقا لقوله تعالى: {ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا}(الإسراء : 6).
ولم يعلم اليهود الغاصبون والنصارى الحاقدون، أن الله تعالى أخبر أمة الإسلام في كتابه العظيم بنصره لهم، وأن الكرة عائدة عليهم، فكما نكل بهم وأخزاهم بعد إفسادهم السابق، سيعود عليهم التنكيل والخزي، وسيكون على يد المسلمين، وسيكون أكثر مرارة لهم، وأقبح سوء منقلب. وأن المسلمين هم الذين يوقفون زحفهم، كما سيظل القرآن بوعده ووعيده مرفوعا فوق رؤوسهم إلى قيام الساعة. قال الحق سبحانه وتعالى :
* {عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا}(الإسراء : 8).
* {ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أوتحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد}(الرعد : 32).
* {وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم}(الأعراف : 167).
وفي صحيح الجامع الصغير للإمام مسلم من حديث أبي هريرة ] أنه قال: >لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أوالشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد، فإنه من شجر اليهود<(1).
ومهما تمادى اليهود في غطرستهم وسطوتهم وعجرفتهم، وتدجيج أنفسهم بالسلاح، ولوبلغوا في ذلك شأوا بعيدا، فإن النصر آت للمسلمين، وأن الله تعالى يحق الحق بكلماته، وسيجتمع المسلمون، وسيعزون دين الله، وسيوفرون شروط النصر، وإن طال الأمد، والدلائل كثيرة للفطن الذكي، وللمتتبع المهتم بأمر المسلمين، ففي قلوب المسلمين جميعهم حمية الدفاع عن دينهم ونبيهم وأرضهم، ويعرفون جيدا مكر أعدائهم وخبثهم وكيدهم. فقد أفتى أحبارهم بجواز قتل المسلمين حتى إن حبرهم ومفتيهم الأكبر أفتى بقتل أطفال المسلمين الفلسطينيين، وأحل هدر دمهم لليهود، لأنهم رجال المستقبل الذين سيحررون فلسطين وبيت المقدس، وهذا نفس عمل فرعون الذي قتل أطفالهم واستحيى نساءهم في زمنهم القديم، وقد أخزاه الله تعالى وأذاقه نكالا وخزيا، فأغرقه هو وجنوده. وتلك عاقبة الظالمين والمفسدين في الأرض، وعبرة لمن اعتبر، وما ضاع حق وراءه طالب، أليس الصبح بقريب؟!.
———–
1- مسلم – صحيح الجامع الصغير.حديث رقم :7427