عذرا يا رسول الله
عندما تمشي في مدينة رسول الله وتتجول بين شوارعها وأزقتها، ترفع رجلا وتحط أخرى، لا بد أن تساؤلات كثيرة تتوارد على نفسك، وتصورات عديدة تمر بين عينك، لعل رسول الله مر من هنا يوما، بل لعله وضع قدمه الشريفة هنا أو جلس هناك، أو كان واقفا هنالك، ولعل أحد أصحابه كان هنا : أي في هذا المكان الذي أنا فيه بالضبط. فانتبهي يا نفس، واحذري فلعلك في موضع نزلت فيه آية، أو حدث فيه المصطفى عليه السلام بحديث ، أو لعلك في بيت عمر أو منزل أبي بكر أو غيرهما رضي الله عن الجميع.
ويلح علي موقف خاص، لإمام عظيم من نوع خاص، إنه الإمام مالك إمام دار الهجرة رحمه الله، الذي كان يمشي في المدينة المنورة حافي القدمين كما تذكر كتب التراجم تأدبا مع رسول الله . أوبخ نفسي، وأقول : هكذا فليكن الأدب مع الله الخالق. ثم أنظر من حولي فأرى ناسا يؤذون رسول الله بسجائرهم التيتزكم الأنوف، وغفلتهم عن واجب التأدب مع الحبيب المصطفى ، ثم أسترجع وأحوقل وأترحم على الإمام مالك رحمه الله.. وأدخل المسجد النبوي فأجد عشرات الألوف من الناس بين راكع وساجد، وقارئ للقرآن، وذاكر وداع وباك قد سالت دموعه على خديه، وأرى آخرين قد انشغلوا بآلات التصوير، وآخرين قد أخذوا في كلام الدنيا، وآخرين تسمع ضحكاتهم وقهقهاتهم، وآخرين قد ناموا وأرجلهم إلى القبلة، وعلا شخيرهم. فأقول واأسفاه على قلة الأدب، واحسر تاه على غياب عمر! وأقلب الفكر في تلك الواقعة الشهيرة، حين سمع عمر ] ارتفاع أصوات في المسجد النبوي، فإذا هي أصوات رجلين غريبين عن المدينة، تقدم إليهما عمر مغضبا وسألهما : من أي البلاد أنتما؟ قالا : من أهل الطائف، فقال : لو كنتما من أهل هذه البلدة -يعني المدينة- لأوجعتكما ضربا، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله ، والله تعالى يقول : {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبيء ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون}.
فيا زوار رسول الله، إن للزيارة آدابا، وإن للمزور مكانة عظيمة عند الله وعند المسلمين، فلا تسيئوا الأدب مع الحبيب بأبي وأمي هو .
وإن من أشنع الإساءات للنبي عليه السلام التدخين في طيبة الطيبة برسول الله، والمدينة التي تنورت بطلعة حبيب الله. وإن من سوء الأدب أن نحول مسجده الشريف إلى مكان للنوم أو الكلام الفارغ…
ثم إن تقديرنا للعمل الجبار الذي يقوم به المسؤولون على شؤون المسجد النبوي الشريف لا يمنعنا من القول إن هناك نقصا كبيرا يجب تداركه، وذلك بتوعية جيوش النائمين في المسجد، والمنع بقوة وصرامة تعاطي التدخين، وتداول السجائر في مدينة رسول الله حتى تبقى -وهي باقية بإذن الله- طيبة منورة برسول الله كما كانت.