الأمة الإسلامية هي الأمة العالمة القوية العظمى المُقسِطة (حديث لمجلة سعودية)
على الساعة التاسعة والربع صباح يوم الخميس 12 صفر الخير 1431هـ الموافق 28 يناير 2010 دق جرس الهاتف بمكتبي في البيت فإذا به صحافي بالمجلة العربية السعودية ليسألني عن رأيي في مشروع خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز لتأسيس الجامعة التكنولوجية بالمملكة وما يتعلق بها فأجبته عبر الهاتف بما ملخصه:
” إن شئنا أن نُعَرِّف الأمة الإسلامية : لكان التعريفُ بأنها الأمةُ الإسلامية الرائدة القائدة القوية العظمى… لأن أساس هذه الأمة العالمة العلم والتعليم انطلاقا من العلم بالله وبدينه وانتهاء بالعلوم التي تعتمد عليها هذه الأمة القوية الرائدة، تحقيقا لما ورد في القرآن الكريم ” وقل ربي زدني علما ” وقلتُ إن أصناف الأمم ثلاثة: أمة الفناء- أمة البقاء- أمة الارتقاء.
فأمةُ الفناء هي التي ترتفع فيها نسبة المواطن الظالم لنفسه وهو الذي يأخذ من أمته “الحقوق ” ويُقصِّر في القيام بالواجبات أو هُو الذي رجَحَتْ سيئاتُه حسناتِه أو هو الذي يقتضي أي يأخذ حقوقَه ولا يَقضِي أي لا يُعطي حقوق مجتمعه.
وأمةُ البقاء، هي التي يكثر فيها مَنْ يعطي الواجب على قدر ما يأخذ من الحقوق أو يقضي ويقتضي أو تساوت حسناتُه سيئاته.
وأمةُ الارتقاء هي التي يكثُر فيها العنصُر الذي يقوم بالواجب أكثرَ مما يأخذ من الحق أو هو الذي رَجَحتْ حسناتُه سيئاتِه أو هو الذي يقضي ولا يقتضي إلا قليلا.
وباختصار فإن التقدم والحضارة أساسهما: فائضُ الواجبات كما يقول أستاذُنا مالك بن نبي رحمه الله وأعطَى المثال بألمانيا عقب هزيمتها سنة 1944 وباليابان. وانطلقتُ في هذا التقسيم من قوله تعالى: ” ثم أورثنا الكتاب الذين اصطَفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ” حسب قول بعض المفسرين للمقسط والمقتصد والسابق بالخيرات.
لذلك فإن تأسيس هذه الجامعة إسهام مهم لبناء الأمة الإسلامية. وليتَ الخليج العربي بل جميع الدول الإسلامية تسارع إلى تأسيس مثل هذه المشاريع، إن الأمم لا تفتخر بإنشاء أعلى برج في العالم إذ قد يصيب هذا البرج ما أصاب هايتي فيصبح ركاما وإنما يجب أن تفتخر ببناء أعظم جامعة في العالم وأعظم عقول في العالم وأعظم بشر في العالم، وأضيف إلى ذلك أن لنجاح أي مشروع تكنولوجي أو علمي شروطا أساسية منها حسن الإدارة والتسيير والمجال الحيوي الضروري الذي قد يُغذي المشروع ويَتَغذَّى منه كالشركات والأسواق المناسبة داخل البلد ثم مجالات التسويق بالخارج، وقد حاولت الجزائر مثلا إنشاء صناعات ثقيلة ففشلت، أما مشروعها في عهد الرئيس الأسبق بن بلة لإنشاء مصنع للصواريخ فقد مات في سريره قبل التلقيح..
وآخر سؤال كان عن رأيي في التعليم المختلط بين الذكور والإناث في مدرج واحد وفي مختبر واحد: فأجبته يجب أن تحافظ الجامعة على الأخلاق الإسلامية وأن تتجنب الخلوة المنهي عنها في الشرع والأفضل أن تعرض هذه القضية على عشرة من علماء الشرع المشهود لهم بالعلم والورع لإصدار الفتوى المناسبة. علماً أن الأمة الإسلامية في أمس الحاجة إلى المرأة العالمة في جميع ميادين العلم شرط أن تحافظ على رسالتها في الأسرة وعلى رسالة الأمومة، ومن مفاخر ديننا العظيم أن تكون المرأة أول من أسلم وأنها رضي الله عنها ساندت الرسول صلى الله عليه وسلم عندما نزل عليه الوحي وعززته وذهبت به إلى خبيرٍ بالوحي وبالرسالة: ورقة بن نوفل، وإن عائشة رضي الله عنها من أهم مصادر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأشدْتُ بالمشروع الذي يحمل اسم الملك عبد الله بن عبد العزيز ودعوتُ علماء الإسلام وكبار علماء التكنولوجية في العالم إلى مساندة هذا المشروع مما يضمن له التقدم والارتقاء بدافع الغيرة عليه والإسهام في نجاحه لا طمعا في الأجور العالية والترقيات الكبيرة وإن كان الاهتمام المادي والمعنوي بالعقول الكبيرة واجباً كما تفعل الصين مع كبار علمائها الذين تركوا أمريكا وعادوا إلى وطنهم الصين ليجعلوا منها الأمة الأعظم في العالم.
وقلت في أثناء الحديث أسأل الله أن تسارع البلاد العربية إلى تأسيس مثل هذه الجامعة التي أساس نجاحها حسن الإدارة والتسيير وأن ترتفع الدول العربية عن التخاصم فيما بينها وعن العداوات بسبب الألعاب الرياضية والحدود وأن تُقلع عن حصار بعضها بالجدران الفولاذية وغيرها حتى نصبح خير أمة أخرجت للناس.
أ.د. عبد السلام الهراس