ما أصعب أن تكتب عن عظيم، وإن >فريدا< لعظيم، وما أصعب أن تترجم لأخ حميم، وصديق كبير، وإن >فريدا< أخ في صو رة صديق، والأصعب من ذلك كله أن تكتب عن رجل من أهل الله، وإن >فريداً< لرجل من أهل الله، رجل صدق الله فصدقه الله، رجل أخلص القصد لله فكان من المخْلَصِين عند الله، اللهم هذه شهادتنا في >فريد< الفريد، ولا نزكي على الله أحدا، وقد قال نبينا المصطفى : >أنتم شهداء الله في الأرض<.
كنت في مدينة رسول الله حين التقيت أخا كريما سلمت عليه فلم يرد، التفت إليه فإذا عيناه تذرفان، سألته : ماذا في الأمر؟ ماذا وراءك؟ أجابني بحروف متقطعة : >رحل أخونا فريد< عجزت رجلاي عن حملي، وتوقف عن الكلام لساني، وغالبت الدموع فغلبتني، ظننت في البداية أنا نحن الاثنين فقط نبكي فريدا، لكن ما هي إلا دقائق معدودات حتى شاع الخبر الفاجعة، وإذا بالمحبين لفريد في كلمن مكة المكرمة والمدينة المنورة يبكون فريدا بالمآت : ألم كبير يعتصر الأفئدة وحسرة شديدة تمزق القلوب، وبكاء تساوى فيه الرجال والنساء، وعزاء متبادل بين الشيب والشباب…
سألني أحدهم وهو يتعجب من كثرة الباكين والمعزين والمحبين : أي شيء كان هذا الرجل الذي ملك القلوب إلى هذا الحد، وأبكى كل هؤلاء الناس؟ قلت : لم يكن صاحب مال ولاجاه، ولم يكن صاحب دنيا ولا منصب، قال فماذا كان إذن؟ قلت : كان رجلا مسكينا ضعيفا متواضعا، لكنه كان صادقا مع الله، وهذه التي بلغت به هذا المبلغ، وبها رزق ما رزق من القبول!.
يا حبيبي يا فريد : إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا على فراقك يا فريد لمحزونون؟
الآن وقد رحلت عن دنيا الناس؟ أستأذنك في قول كلمة، أعرف أنك لو كنت حيا ما قبلتها، تواضعا منك ورغبة فيما عند الله :
لقد عرفتك -وعرفك الناس- عالما عاملا، ومربيا صادقا، وداعيا إلى الله تعالى بلسانك وقلمك، وربانيا في أخلاقك ومعاملاتك.
عرفتك -وعرفك الناس- زاهدا في دنيا الناس، متواضعا غاية التواضع، محبا للخير، راغبا فيما عند الله، شديدا على أعداء الله خصوصا اليهود لعنهم الله..
عرفتك -وعرفك الناس- رجلا محباً للقرآن، تقرؤه، وتنشره، وتدعو إليه، حتى إنك عشت بالقرآن وللقرآن، وسخرت كل ما تملك من علم ومال ووقت وغير ذلك لخدمة القرآن.
لكني عرفت فيك شيئا أعظم من كل ما سبق وهو سر نجاحك فيما سلف : إنه صدقك مع الله.
الآن أقولها لك يا حبيبي يا فريد : لقد كنت كلما رأيتك أو كلمتك أو جالستك أو قرأت شيا من مكتوبك أرى الصدق مع الله بعيني، وأحسه في قلبي وأشعر به في جوارحي.
لقد كنت أرى الصدق مع الله في كل جوانب حياتك : في كلماتك وحركاتك ومحيطك، والصدق مع الله ميزتك الكبرى التي تنطق بنفسها، وتتكلم عن حالها.
أيها الفريد :
لقد ترجلت عن صهوة جوادكوأنت الفارس المغوار، ووضعت سلاحك – الذي لم يكن سوى لسانك وقلمك- أيها المجاهد المقدام، وخلدت إلى الراحة -بإذن الله- مع الذين سبقوك من أهل الفضل والصلاح، من العلماء والعبّاد وأهل الله، فلقد أديت ما عليك، وقمت بواجبك أحسن قيام، ربيت أجيالا، وعلمت رجالا، وتركت خلفا صالحا يردد اليوم في ثبات ويقين : كلنا فريد، وإنا على العهد ماضون.
أيها الأخ والأستاذ والمربي : لقد آلمنا فراقك، وصعب على نفوسنا غيابك، لكن الله اختارك واختار لك، ونحن راضون باختيار الله عز وجل، و{إنا لله وإنا إليه رجعون}.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن ترزق أخانا فريدا الدرجات العلى من الجنة، وأن تجعله في الفردوس الأعلى مع سيدنا وحبيبنا محمد ونحن معه برحمتك يا أرحم الراحمين.
ذ. امحمد العمراوي