أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدّعون نزلاً من غفور رحيم ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم}
1- {إن الذين قالوا ربنا الله}
2- {ثم استقاموا}
3- {تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا} عدها واحدة إلى قوله تعالى: {نزلا من غفور رحيم}
4- {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله}
5- {وعمل صالحا}
6- {وقال إنني من المسلمين}
7- {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة}
8- {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}
9- {وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}
10- {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم}
سورة فصلت : 30- 36.
هذا هو الظاهر الجلي، ولكن يجوز أن تجد أكثر، فالقرآن بحر زاخر بالكنوز، لا يحصى معانيه إلا الله جل جلاله
القاعدة الأولى هي أن قول: {ربنا الله} إعلان للتوحيد:تدبر.. إنه (قول). وهذا شيء مهم في حد ذاته، ( فقوله) ذلك إعلان له، ودعوة إليه، وترسيخ له في المجتمع. ألم تسمع قول النبي للذي سأله: أن يقول له في الإسلام شيئا، لا يسال عنه أحدا بعده؛ فقال له : >قل آمنت بالله فاستقم<(رواه مسلم)، وفي رواية أخرى: (ثم استقم). هكذا (قل) تصريحا لا تلميحا، إعلانا وإشهارا لا تورية ولاتقية، {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان} (النحل: 106). فإنما أصل الدين إعلان توحيد الله، ورفع راية (لا إله إلا الله). فارفعها عاليا عاليا، ارفعها فوق كل راية؛ حتى لا تظهر فوقها راية، {ويكون الدين كله لله} (الأنفال: 39). قل: {آمنت بالله} حيثما حللت وارتحلت! قلها في كل مكان… أعلن تدينك ولا تخفيه، أشهر سلوكك الإسلامي، وانتماءك الحضاري، وصبغتك الربانية، وكونك من أمة محمد : عش بهذا المنطق، وبهذا الشعور واعْتَزَّ به، ولا تخجل! {إنك على صراط مستقيم} إنه مبعث الفخر إذا افتخرت الأمم بتفاهاتها المادية، وخزعبلاتها الفكرية، هذا دين رب الكون كله فاعتز به. {ولله العزة ولرسوله وللمومنين ولكن المنافقين لا يعلمون}(المنافقون: 8).
{إن الذين قالوا ربنا الله} تلك هي القاعدة الأولى، فاحفظها بوجدانك، فقد جعلها الله أول شرط الفلاح. فاعرف ربك وعرف به، تكن قد قلت: ربنا الله.
أما القاعدة الثانية: فهي الاستقامة على قولك ربنا الله:… {ثم استقاموا}، أي الالتزام بما أقررت، والوفاء بما شهدت به على نفسك وشهد به عليك الله عز وجل، والملائكة، والناس أجمعون. ذلك صراط مستقيم أقررت به، فاستقم عليه عقيدة وسلوكا، ظاهرا وباطنا، خوفا ورجاء؛ تكن من الصادقين . ذلك أن الاستقامة على توحيد الله – معرفة وتعريفا- في ربوبيته وألوهيته، وما تفرع من هذه وتلك، من معان رفيعة سامية، كعبادته تعالى بما له من أسماء حسنى وصفات عُلَى، إثباتا لها، ودعاء بها وسيرا إليه في أنوارها.. كل ذلك وما في معناه من مقتضياته يجعلك مسلما حقا، ويحقق وعد الله فيك من الأمن في الدنيا والآخرة. وبيانه كما يلي :
القاعدة الثالثة: التبشير وعدم التنفير:وذلك ببناء الكلام في الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ على قصد تحبيب العباد في رب العباد. إذ على ذلك ينبني مفهوم الخوف والرجاء. انظر كيف بشر الله من استقام على ذلك بالجنة وبالولاية الربانية الحقة، والنجاة من غضبه وعذابه. إنه شعور جميل جدا. شعور بالأمن الروحي، والسلام الوجداني، يفيض بالقلب المؤمن الصادق. إن العبد ليجد جمال الكرم الإلهي في نفسه، ونور رحمته ينبعث من صدقه، في توجهه وسيره إلى الله، مع خوفه من زوال ذلك؛ مما ينشط حركة سيره، وسرعة إقباله على ربه رغبا ورهبا.
فـ(البشرى) هي أعظم ما يحب الإنسان أن يسمع في حياته. وهي أرفع منازل الدعوة إلى الله، وأرقاها غاية ووسيلة. إلا أنه معلوم شرعا وعقلا؛ أن البشرى لا تتحقق؛ إلا إذا لابسها خوف عدم حصول المرتجى. فالتخويف أساس لتحقيق البِشْر؛ ولذلك قلما ذكر الترغيب في القرآن إلا وذكر معه الترهيب. فهما حقيقتان متلازمتان. إلا أن ضابط ذلكم وجماعهما التحبيب. أي لا يجوز أن يفرط المرء في أحدهما، أو يفرط بما يؤدي إلى تنفير النفس عن المقصود، وتيئيسها من الله والعياذ بالله، بل يجب أن يكون التخويف على قدر ما يحبب العباد في رب العباد، فههنا ميزان من الحكمة قل من يحسنه من الناس. ولذلكم قال ابن القيم رحمه الله تعالى في عبارة جامعة: (ويندرج الخوف والرجاء في الحب)(1)
فاجعل التبشير بالخير في الدنيا والآخرة جوهر خطابك للناس، واجعل النذارة له مصدقة؛ حتى لا تتواكل الأنفس، وتتراخى عن أداء حق الله. واقصد إلى تعريف الخلق بالله فإنهم إن عرفوه حقا أحبوه؛ فتعلقوا بعبادته آنئذ خوفا وطمعا. ففي الصحيحين: أن النبي بعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن؛ قال: >يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا<(متفق عليه)، وفي صحيح مسلم: أن أبا موسى الأشعري ] قال: “بعثني رسول الله ومعاذا إلى اليمن. فقال: “ادعوا الناس، وبشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا”
ومن ألطف النصوص في هذا المعنى ما صح عنه أنه قال: “إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه: >إن رحمتي سبقت غضبي< (رواه البخاري). فهذا رب العالمين يعلمنا أن نجعل خطاب الرحمة سابقا في دعوتنا، ونجعل لذلك النذارة خادمة للبشارة؛ لأن الكل مشمول بقصد المحبة. وما أجمل وصف الله تعالى لرسوله في ذلك، وهو سيد الدعاة إليه: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عَنتّم حريص عليكم بالمومنين رؤوف رحيم} (التوبة: 128). فأشد الناس خوفا من الله تعالى أشدهم محبة له. بهذا المنطق وجب أن تبني خطابك الدعوي، فما تفرد النذير في موطن من الكتاب والسنة إلا لحكمة خاصة
القاعدة الرابعة: الدعوة إلى الله لا إلى ذات الهيآت والمنظماتتدبر قوله تعالى: {ومن احسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا}، فهو أولا متفرع عن ( القول) الأول: ( قالوا ربنا الله) وفي سياقه، فإعلان التوحيد بالتعرف على الله والتعريف به، أمر متضمن لما نحن فيه: ( قول الدعوة إلى الله) فليس الداعي الحق إلى الله إلا مُعَرِّفَا به؛ ولذلك كان هذا أحسن ما يعلنه العبد في طريق عبادة الله في الأرض: {ومن أحسن قولا..} ثم هو (دعوة إلى الله) على غرار قوله في سياق آخر مما سبق بيانه : {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} (يوسف: 108) فهي دعوة إلى (الله) جل جلاله وجماله، توحيدا وتفريدا وتجريدا؛ رغبة ورهبة .. فتدبر..! لا ضير أن تنظم عملك ضمن أي تنظيم دعوي، ما دامت أصوله العقدية سليمة، ومادام منهجه الدعوي مستقيما على الكتاب والسنة، ولكن احذر أن يختلط عليك الأمر، فتدعو الناس إلى التنظيم بدل دعوتهم إلى الله، فتكون قد اتخذت التنظيم آنئذ وثنا يعبد من دون الله الواحد القهار. اجعل الله غايتك على كل حال. واتخذه هدفا لدعوتك: تتعرف عليه وتعرف به؛ تكن أحسن القائلين في الدين. اجعل تنظيمك أو جماعتك خادمة لله، ولا تجعل الله خادما لتنظيمك أو جماعتك، واحذر! فهذا منزلق قلما يسلم منه أحد من المتحزبين. فتدبر..!! تلك لطيفة من لطائف قوله تعالى: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا}. وقد فصلنا الكلام في هذا المعنى بكتابنا (البيان الدعوي)، معززا بأدلته الوافية هناك، فارجع إليه إن شئت، والله الهادي إلى الحق ، ولا حق سواه.
القاعدة الخامسة: في أن العمل الصالح أساس الدعوة إلى الله، وعلى رأسه الصلاة :ولذلك قال: (وعمل صالحا) عطفا على إحسان القول. فلا قول حسن إلا إذا انبنى على عمل صالح
فويل لمن ناقضت أفعاله ما أظهر للناس من أقواله. إن الاستقامة التي اشترطت على الذين قالوا ربنا الله هي هنا قد سيقت مساقا دعويا ظاهرا، بمعنى أنه يجب أن تنتبه إلى أن الداعي إلى الله يدعو بقوله وبفعله، كما أن المفتي يفتي الناس بقوله وبفعله شاء أم أبى. فسلوكه الفعلي مناط اتباع، تلك سنة الله في الخلق. فاجعل عملك صالحا حتى تكون به مصلحا ؛ ويأجرك الله مرتين
القاعدة السادسة: إعلان الانتماء لكل المسلمين، والحرص على عدم تفريق وحدتهم العامة :(وقال: إنني من المسلمين) ف (من ) هذه تفيد التبعيض كما هو معلوم عند اللغويين. والمعنى أنك واحد من المسلمين، جزء من كل، فالدعوة إلى الله هي دعوة إلى الله،وانتماء عام لكل المسلمين. وفي ذلك راحة من مضايق الهيآت والجماعات. فما أجمل أن تجيب أيها الداعي إلى الله إذا سئلت: (من أي جماعة أنت؟) فتقول: (من المسلمين)! ذلك الحق من رب العالمين، {فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون}(يونس: 32)
القـاعدة السـابـعـة: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة} :هذا مبدأ ثابت من مبادئ القرآن ، فاثبت عليه، لا يستوي الخير والشر، لا يستوي الحق والباطل، لا يستوي المعروف والمنكر، لا يستوي الكلام الطيب والكلام الخبيث، ونتيجة ذلك دعويا: لا تستوي الدعوة إلى الله بالتي هي أحسن، والدعوة إليه بالتي هي أخشن. لا يستوي في ميزان الله من يقربالناس من الله ويعرفهم بجماله وجلاله، ومن ينفرهم عنه ويجهلهم بقدره، وإن ظن أنه بذلك يحسن صنعا، فلا تغتر به! هذا كتاب ربنا واضح في المسألة وضوح الشمس في رابعة النهار. وتلك سنة نبينا قاطعة بأن المنهج الدعوي الإسلامي إنما هو ما اتسم بالحلم والأناة، والتيسير على الناس في طريق تعريفهم بحقوق ربهم. ذلك هو الحق الثابت أبدا: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة}.
القاعدة الثامنة : دفع الشـر بـالخـيـر :وهي تفسير للقاعدة السابقة، وبيان لها، وتحقيق خاص لمناطها العام: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}. فالعلاقة بين القاعدتين هي العلاقة بين المبدأ الكلي والتطبيق الجزئي كما العلاقة بين المطلق والمقيد، وذلك مثلا حيث يواجهك الخصوم في الدعوة إلى الله من أهلك وعشيرتك، أو حكومتك ، أو يحاصرونك؛ فاقتد برسول الله ولا تلتفت إلى غيره، إياك أن تغلبك الرغبة الجامحة في الانتقام؛ لا يستفزنك تحرشهم، ولا يثيرنك جهلهم وعنتهم، خاصة وأن مناط الأحكام في الدعوة في هذا الزمان غالب أمره أنه يتنزل في بلاد المسلمين، ويخاطب من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فكيف تنزع إلى العنف الجاهلي؟ – حاشا الجهاد في سبيل الله فهو ذروة سنام الإسلام- إنك إن تفقد منهج القرآن، وتخطئ سنة الرسول في الدعوة إلى الله؛ تفقد صفة الداعي إلى الخير، والله أمرك أن تدعو إلى الخير، كما بينت لنا الآية قبل: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير}، وتفقد صفة الداعي إلى الله، فلا تكون داعية إلا إلى نفسك
حذار من التشنج، حذار من الغضب لنفسك. مادمت قد جعلت نفسك لله فاجعل الكل لله، ولا تتحرك في الدعوة إليه تعالى إلا بما تقدر أنه لله. (ادفع بالتي هي أحسن) تلك المقدمة مسلمة في منهج الله، نتيجتها هي الحكمة المذكورة بوضوح في قوله تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمةوالموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} (النحل: 125). عجيب كم ضل كثير من الدعاة – مع الأسف- عن منهج الله؛ لما هجروا القرآن إلى غيره من الأهواء، مستجيبين لردود الأفعال. ألا ما أوضح القرآن، لو يبصرون.. {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مذكر} (القمر:17) ولكن الضلال عمى
اقرأ مرة أخرى. وتدبر: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}. ذلك هو الأصل في المنهج الدعوي، وما سواه جزئي حادث، ولكل حادث حديث. وإنما الغاية عندنا في هذا تقعيد الأصول
القاعدة التاسعة: في الصبر على الأخذ بالمنهج القرآني :ذلك أنه يحمل النفس في معاشرة الناس على ما تكره، من تحمل الأذى في الله، ودفع الشر بالخير، ودفع الجَهَلة بالحكمة والموعظة الحسنة، ودفع العداء بالتي هي أحسن. كل ذلك شديد على النفس؛ لأنها جبلت على محبة ذاتها، والانتقام لها؛ ولذلك قال في القاعدة التالية: {وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}. فدرِّبْ نفسك على الصبر حيث يجب الصبر، وعلِّمْها كيف تكبح جماحها؛ حتى لا ترد الجهل بالجهل، والشر بالشر. فتزيغ عن الصراط المستقيم
القاعدة العاشرة: الحذر من الشيطان :وهاهنا لطيفة من اللطائف، ذلك أن بعض المسلمين قد يغيب عنه في فتنة الانغماس الاجتماعي؛ أن الشر من الشيطان. حقيقة كبرى قد تُنْسى.. اذكر هذا جيدا وجدد إيمانك به. إن الشيطان الملعون خلق من خلق الله، بل هو شر خلق الله، خلقه لحكمة الابتلاء. إنه ليس وهما ولا خيالا، إنه حقيقة. إنه يسعى لتضليل عباد الله، وأنت واحد ممن يستهدفه الشيطان بغوايته، وكل الناس معرض له. فتدبر..
يجب أن تعرف الشيطان وحيله الخبيثة. فالمؤمن الكيس الفطن هو من يسأل عن الشر مخافة أن يلحقه، فاسأل عنه حتى تعرفه. فإنك إن تجهل به تقع في أحابيله. والله عز وجل عرفنا به في غير ما آية من القرآن، فقال تعالى: {يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما. إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم. إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يومنون} (الاعراف: 27). وقال عز وجل في وجوب اتخاذ الشيطان عدوا: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير}(فـاطر: 6). وقال عز وجل: {لعنه الله وقال لأتخذنَّ من عبادك نصيبا مفروضا. ولأُضِلَّنَّهم ولأُمَنِّيَنَّهم ولآمُرَنَّهم فليُبَتِّكُنَّ آذان الانعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا. يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا. أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا}(النساء: 118- 121).
اعرف عدوك تنتصر عليه!اعرف الشيطان؛ حتى تعرف طبيعة العلاقة بينه وبين المسلم عموما، وبينه وبين الداعية إلى الله خصوصا. إنك إذ تدعو إلى الله تقوم بهدم ما بناه إبليس اللعين؛ فتزداد عداوته لك أضعافا مضاعفة، ولكنك إن اعتصمت بالله واستعذت به لن يصل إليك، فلا سلطان له على عباد الله الصالحين
إن أسهل ما يمكن أن يزرعه في قلبك هو أن يشغلك بالحسن دون الأحسن، فإذا استجبت له نزل بك دركة، فدركة؛ حتى يجعلك من الغاوين. ومن هنا قال عز وجل من بعد ما أرسى قواعد المنهج الدعوي: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذْ بالله إنه هو السميع العليم}
لقد كان السياق في الحض على الصبر، والثبات على منهج الدفع بالتي هي أحسن وعدم الاستجابة لاستفزاز خصوم الدعوة: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم. وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}. فقال بعد ذلك مباشرة: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم}
جاءت القاعدة العاشرة في الاستعاذة من نزغ إبليس اللعين؛ خاتمة للقواعد العشر، في المنهج القرآني للدعوة؛ حتى يستشعر الإنسان استقامة ما هو عليه من صراط، وصواب ما سار عليه من سبيل. وأنه ماض في ذلك على بصيرة يدعو إلى الله ، فمهما حصل من اختلال طارئ، أو ابتلاء سابق؛ فأثبت على منهجك لا تغير ولا تبدل. مادمت تنهل من القرآن،كتاب الله رب العالمين. وكلما ألقى الشيطان في روعك من الوساوس ما ألقى؛ {فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم}
تلك بلاغات القرآن العملية ا لتي رسمها الله لعباده صراطا مستقيما، فما بقي الآن إلا ضابطها العام، وقانونها الكلي؛ لضمان توقيعها في واقع الحياة بصورة نموذجية؛ سيرا إلى الله وسلوكا إليه تعالى.
—–
(1) عن كتاب: بلاغ الرسالة القرآنية من أجل إبصار لآيات الطريق للشيخ الدكتور فريد الأنصاري حفظه الله