من المعلوم أن المرأة عانت من ويلات الجاهلية الأولى، وها هي الآن تعاني منها للمرة الثانية بعد وفاته ، بعد أن ذاقت حلاوة الإيمان ونعِمَت في ظلال الشريعة الإسلامية بكل مظاهر الحب والتكريم والإنصاف ورفعت عنها جميع أنواع الظلم والتعسف لتنال حقوقها.
لكن للأسف ظل البعض يعتبرها أداة للشهوة ومصدرا للفتنة، لِما تقوم به من فتنة الرجال وصرفهم عن مهمات الأمور إلى سفَاسِفها وصغائرها من حيث الأهمية، وكبائرها من حيث المعصية. يقول عبد الحليم أبو شقة : (إن فتنة المرأة إحدى فتن الحياة الدنيا التي ابتلى الله بها العباد، فلِما ذا تركزت جهود المغالين في سد الذريعة على فتنة المرأة وحدها، وحرجوا على المرأة كل التحريج للأمن من فتنتها؟… لماذا يا ترى وقع الإسراف العام في سد ذريعة فتنة المرأة ذون غيرها من فتن الحياة الدنيا رغم قولهم بفساد الزمان، والفساد دائما يثمر ضعفا عن مقاومة جميع الفتن لا فتنة المرأة فحسب)(1) قال تعالى : {واعْلمُوا أنّما أمْوالُكُم وأوْلادكم فِتنة}(الأنفال : 28).
أما قولهم >شهوة النساء تضاعف على شهوة الرجال< وأن صبرها على ترك الجماع أضعف من صبر الرجل، فهذا غير صحيح لأن الفطرة التي خلق الله عليها المرأة والرجل، تجعل الرجل هو الطالب والمرأة هي المطلوبة وهذا ما جاء في قوله عليه الصلاة والسلام : >إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تُصبح<(2) وقوله أيضا : >لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه<(3).
فهذان الحديثان ينهيان المرأة عن الامتناع عن دعوة زوجها للفراش، يقول الإمام العسقلاني (إن صبر الرجل على ترك الجماع أضعف من صبر المرأة، وإن أقوى التشويشات على الرجل داعية النكاح ولذلك حض الشارع النساء على مساعدة الرجال في ذلك)(4). ويؤيد هذا أيضا ما جاء عن عبد الله بن مسعود ] قال رسول الله : >يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء<(5).
فالخطاب وقع من الرسول للشباب لأنهم مظنة الشهوة للنساء، واختلف العلماء في المراد بالباءة (والأصح أن المراد بها الجماع فتقديره من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤونة النكاح فليتزوج ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤونته فعليه بالصوم ليدفع شهوته ويقطع شر مائه كما يقطع الوجاء)(6).
أما الحديث >تجويع النساء، وعدم كسوتهن وإسكانهن الغرف العلالي< فهي ظاهرة الوضع، والمسلم الفطن يعلم أن للمرأة الحق في السكن الذي يليق لمثلها، يقول تعالى : {أسْكِنُوهُن من حيْث سكنْتُم من وُجْدِكم ولا تُضَارُّوهُن لتُضيِّقُوا عليْهِنّ}(الطلاق : 6) (فالمأمور به في هذه الآية هو أن يسكنوهن مما يجدون من سكنى لا أقل مما هم عليه في سكناهم، وما يستطيعون حسب مقدرتهم وغناهم، غير عامدين إلى مضارتهم سواء بالتضييق عليهن في فسحة المسكن، أو مستواه، أو في المعاملة فيه)(7). أما النفقة فهي واجبة عليه بقدر ما يطيقه وعلى قدر الكفاية، فالإسلام دين يسر لا دين عسر يقول تعالى : {لِيُنْفِق ذو سَعَة من سعَتِه ومَن قُدِر عليْه رِزْقُه فليُنْفِق ممّا آتاهُ اللّه}(الطلاق : 7). فالشرع لم يحدد قدرا معينا للنفقة فهي بحسب الاستطاعة، وقد اختلف العلماء في معنى قوله تعالى : {لِتُضَيِّقُوا عليْهِنّ} (قال البيضاوي : لا تضاروهن في السكنى فتلجؤهن إلى الخروج)(8). (وقال مجاهد : في السكن، قال مقاتل : في النفقة)(9).
ذة. هجر بن الطيب
—–
1- عبد الحليم أبو شقة : تحرير المرأة في عصر الرسالة 200/3.
2- صحيح البخاري : بحاشية السندي، كتاب النكاح، باب : إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها 260/3.
3- المصدر نفسه : كتاب النكاح، باب : أن تصوم المرأة وبعلها شاهد 260/3.
4- فتح الباري : شرح صحيح البخاري : للإمام ابن حجر العسقلاني، تحقيق : عبد العزيز عبد الله بن باز، 295/9.
5- صحيح البخاري : حاشية السندي، كتاب النكاح، باب : قول النبي من استطاع منكم الباءة 237/3.
6- فتــح البـاري : شرح صحيح البخاري : العسقلاني، المجلد 9.
7- سيد قطب : ظلال القرآن 3603/6.
8- تفسير البيضاوي : أنوار التنوزيل وأسرار التأويل : مطبعة مصطفى محمد 207/3.
9- أبو عبد الله القرطبي : الجامع لأحكام القرآن العظيم، دار الفكر، بيروت 1401، 168/18.