كنت أود أن أكتب في هذا الموضوع خلال ما عُرف “وقت الحملة الانتخابية”، لكني آثرتُ هدوء العاصفة، حتى مرت “الحملة” بما مرت به، وأدت إلى ما أدّت إليه… ذلك أنّ الذي تأمل كل مطبوعات “الحملة” يلاحظ أنها كُتبت كلّها بالعربية، مع ما تخلل بعضها من كلمات أو عبارات كتبت بالأمازيغية.
وهي ظاهرة لافتة للانتباه وتستحق الدراسة من وجوه، كما أنها تثير عدة تساؤلات منها :
هل كتابة هذه الملصقات والمطويات والإعلانات وغير ذلك بالعربية أمر مقصود ومتعمد؟
والقصد هنا يتجه إلى ثلاثة اتجاهات :
-إما أنه يعني الكتابة باللغة الرسمية للبلاد.
- وإما أنه يعني الكتابة باللغة التي يفهمها جميع أبناء الشعب.
- وإما أن يعني الاستهتار بالغالبية العظمى من أبناء الشعب المغربي الذين تغلب عليهم الأمية، وأقرب اللغات إلى الأميين في بلدنا هي العربية!!!
قد يقال من الوهلة الأولى إن هذاالاحتمال الثالث بعيد، فالسياسيون الكبار في هذا البلد العزيز، منذ فجر الاستقلال وهم ينادون بالتعريب ويدافعون عنه، وإن كانوا في نفس الوقت يدفعون أولادهم إلى البعثات الأجنبية والبلدان الأوربية من أجل الدراسة، ولذلك لا يعقل أن يحضر الاستهتار عند الطبقة السياسية المعاصرة التي تعتبر الوريثة الشرعية للطبقة السياسية التي كانت بعد الاستقلال ومن المفترض أن تكون هذه الطبقة المعاصرة أوعى بظروف العولمة الجارفة.
معنى هذا أن الاحتمال الأول أو الثاني (أو هما معا) هو الذي يبقى وارداً، على الأقل من الناحية النظرية.
فإذا كانت جميع الأطياف السياسية متفقة على ضرورة مخاطبة الشعب المغربي باللغة الرسمية للبلاد، اللغة المشتركة بين جميع أفراد الشعب المغربي، فينبغي أن يكون هذا الاتفاق دائما ومستمراً، إذ لا يعقل أن يخاطب المغربي في الحملات الانتخابية بالعربية، بعد ذلك يُتنكر لهذه اللغة، في جل المجالات الرسمية للبلاد : فيتلقى وثيقة استهلاك الماء والكهرباء والهاتف بالفرنسية ويتلقى الإشعار لأداء الضرائب بالفرنسية، ويتلقى تعليمه بالفرنسية ويُخَاطَب في الإدارات بالفرنسية، وتُصك مسامعُه بإعلام فرنسي مُسْتهْتر بالعربية…. إلى أن تدور الأيام دورتها وتأتي الانتخابات ويخاطب من جديد بالعربية، وأحيانا بالأمازيغية التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الثقافة العامة المغربية.
إن هؤلاء السياسيين الذين يخوضون الانتخابات بحملاتهم بعدما ينجحون هم الذين سيكونون أصحاب القرار، سواء على المستوى المحلي أو الوطني، فلماذا لا تفرض المجالس المحلية على أصحاب المحلات التجارية والمقاهي وما شابه ذلك كتابة أسماء هذه المحلات بالعربية مع جعلها في الصدارة؟ لماذا حينما يتجول المتجول في الشوارع المغربية يشعر بغربة الحرف العربي؟؟ لماذا لا يقرر البرلمان المنتخب ضرورة استعمال العربيةفي جميع الإدارات دون استثناء؟؟ لماذا لا يطالب بتطبيق المذكرات التي صدرت عن الوزارة الأولى منذ زمان، والتي تقر بجعل اللغة العربية لغة رسمية ولازمة في كل الدوائر الحكومية وما يتعلق بها؟؟ لماذا؟؟ لماذا؟؟
أما إن لم تَكن كتابة هذه الإعلانات الانتخابية بالعربية أمراً مقصوداً -وهو مستبعد في تقديري- فقد تأتي أيام سنقرأ فيها إعلانات انتخابية بالفرنسية كما تقرأ الإعلانات التجارية الأخرى، وحينها سيكون الخطاب السياسي خطابا تجاريا بامتياز.
د. عبد الرحيم بلحاج