أسباب نشأة النفاق في عهد الرسول وبواعثه وامتداداته في الحاضر
1) الارتـــزاق :
كان بعض الناس يدخلون في الإسلام ليس حبا في الإسلام وإنما رغبة في أن يستفيدوا مما يمكن أن يتيحه لهم من المكاسب الدنيوية وكان معظم هؤلاء من الأعراب مِمَّن حول المدينة ومن جهات بعيدة وهم الذين قال فيهم الله سبحانه : {قالتِ الأعرابُ آمنا…}(الحجرات :14) كما روى ذلك الإمام ابن جرير الطبري قال : كان بعض الأعراب قد نزحوا إلى المدينة وقالوا نذهب إلى رسول الله فنومن ونثبت معه ونرى ما يكون فإذا هم استقروا في المدينة ومن حولها من البقاع فنالوا من خيرات المدينة فإذا أنتجت خيلهم وإذا ولدت نساؤهم البنات أو كثرت عندهم البنات وإذا لم تتضاعف ثروتهم الحيوانية ولم تنتج خيلهم استاءوا من ذلك وقالوا : هذا الدين لا يصلح لنا ويدعو بعضهم بعضا إلى الانفضاض وإلى الرجوع إلى أقوامهم هذه حالة.
إذن مجموعة من الناس كانت تهاجر من أجل هذا الغرض وهؤلاء هم الذين صورهم الله تعالى حينما قال : {ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به} وبقي في المدينة واستبشر واستراح وشكر الدين {وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة} فهؤلاء يقتربون ويبتعدون من الاسلام بحسب ما يجدون في الاسلام من المكاسب فعلى المسلمين حينئذ أن يحذروا الوافدين الذين يفدون بقصد شيء واحد وهو الاستفادة من خيرات الاسلام، وهذا وقع حينما فتحت الأمصار ودخل الناس في دين الله أفواجا {إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا} لماذا دخلوا في دين الله أفواجا؟ لانه جاء نصر الله والفتح ورأوا الدنيا تفتحت فجاؤوا ودخلوا في دين الله أفواجا لأنه لم يعد هناك بلاءٌ ونقمة وإنما هو الغُنْم والربح وبدأ يلاحظ الأعراب أن الدخول في الدين الجديد سيكسبهم مناصب جديدة ويحقق لهم مكاسب عديدة مثل : القيادة أو الإمارة أو الغنائم… فكانوا يتوافدون على رسول الله أفواجا.
2) بُـغـض الأنـصـار :
ومن الأوصاف التي ذكرت هو : حب الانصار رضوان الله عليهم، مَنْ كان مبغضا للأنصار فهو منافق فمن الإيمان حب الأنصار، فمن كان يحب أنصار رسول الله ومؤيديه فهو ناج من النفاق.
والمنافق الأول عبد الله بن أبي كَرِه أولائك الأنصار الذين أحبوا المسلمين وأحبوا المهاجرين وقال : {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل}.
فإذا كان الانسان منافقا بكُرْهه الأنصار فما قولنا في انسان يكره المهاجرين والأنصار معا.
وكراهية المنافقين للأنصار، لأن الأنصار آزروا الاسلام، وما سُمُّوا أنصارا إلا لحُبِّهم للاسلام، أنهم أيدوا الاسلام وناصروا رسول الله فمن أبغضهم فكأنه يقول لهؤلاء الأنصار : ياليتكم أيها الأنصار لم تَنْصُروا محمدا إنكم بنصرتكم للاسلام قد عززتم الاسلام وقد نصرتم الدين فلو أنكم لم تفعلوا لكان أمرٌ آخر هكذا يتصورون إذن فهُوَ يكْرهُهُم لهذا السبب، وبالتالي يكره المهاجرين الذين جاءوا بالاسلام.
ولا زال هذا الذي قاله رسول الله يسري حتى يصل الانسان إلى كره الأنصار وإلى كراهية المهاجرين ويتجاوز ذلك إلى التعميم فيكره العرَبَ ويتجاوز ذلك، ثم يكره اللغة العربية، ويتعصب لإقليميته، لأنه كما أبغض الأنصار لأنهم أحبوا هذا الاسلام وناصروه وهو يبغض العرب لأنهم مسؤولون عن هذا الاسلام لأنهم هم الذين نقلوه وحملوه إلى الناس.
وكثير من الناس يكرهون العربية لأنها جاءتهم بالاسلام، وبقاء العربية بقاء للاسلام وأولائكم الذين يقرؤون العربية في روسيا أو في جهات كثيرة يجدون أن من واجبهم أن يقرؤوا اللغة العربية لأنها سبيلهم إلى معرفة الكتاب والسنة.
وأولائك الذين يكتبون الآن باللغة العربية الفصيحة في الهند وفي باكستان وفي جهات أخرى كلهم متهمون بانتقال الجريمة وهي أنهم يحبون اللغة العربية ويريدون للاسلام أن يستمر فلذلك يأمرهم من يوحي إليهم بهذه الأفكار الضالة أن يقفوا ضد اللغة العربية بدعوى أننا نبحث عن هويتنا. إن هويتنا ليست هي اللغة العربية مع الأسف، وليتنا لو كنا نتحدث اللغة العربية، إن هويتنا تشكو من مزاحمة لغات أخرى مفروضة.
إذن بُغْض الانصار وبُغْض المهاجرين وبُغْض العرب الذين حملوا هذه الرسالة وبغض اللغة العربية كل ذلك من علامات النفاق.
3) ذَلاقة اللسـان وفصـاحة البيـان :
ومن المؤشرات العظيمة أيضا على النفاق ما قاله الرسول : >أخوف ما أخاف على أمتي كُلّ منافق عليم اللسان< وهذه معلمة بارزة وسمة واضحة في شخصية المنافقين.
المنافقون لهم تجارتهم التي يروجونها ولهم أسلوب المداهنة واللعب فلذلك يعتمدون أكثر ما يعتمدون على لباقة اللسان وتخيُّر الألفاظ وتخيُّر المصطلحات من أجل أن يصلوا إلى أهدافهم بطريقة خاصة.
هؤلاء المنافقون كانوا على عهد رسول الله يحسنون الحديث ويحسنون الدفاع عن أنفسهم ويحسنون تلبيس الحق بالباطل. {قَدْ يَعْلَم الله المعوِّقين منكم والقائلين لإخوانهم هَلُمَّ إلينا ولا يأتون الباس إلا قليلا أشحَّة عليْكُم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظُرون إليك تدُور أعيُنُهم كَالذي يُغْشَى عليه من الموت فإذا ذَهَبَ الخوفُ سَلَقُوكُم بألْسِنةٍ حِدادٍ أشِحّة على الخَيْر}(سورة الأحزاب) أي إذا قام المسلمون بواجبهم وجاء وقت الرخاء عادَوْا المسلمين برؤوس عالية وبألسنة حادة. {سلَقُوكُمْ بألسنة حداد(حادة)}.
ويمكن للمنافق أن يتخذ أي وسيلة تظهر إيمانه وتخفي نفاقه، كان يربط الثُّوم على جبهته لتظهر علامَةُ الركوع والسجود في جبهته ويقال إنه من الركَّع السجَّد.
ويمكن للمنافق أن يبكي ويظهر الخشوع والخشية وماذاك إلا أسلوب للنَّصْب والاحتيال والمكر.
لذلك كان وصْفُ القرآن للمنافق ووصفُ رسول الله له وصفًا دقيقاً، لأن له دربة وقدرة على التمويه وعلى التزيين وعلى تصوير الباطل أنَّه حقٌّ لذلك كان أخوف ما يخافه النبي على أمته المنافق عليم اللسان، لا المنافق غير المدرب لأن هذا يفتضح سريعا، ولكن المنافق المتدرب الماهر أصبح عليم اللسان.
ومن هذا الصنف وجد من يروج لدعاوى من قبيل :
- إن الإسلام دين طبقي، وأفيون الشعوب.
- إن القوانين الوضعية لا تتعارض مع الشريعة.
- إن الإسلام لم ينصف المرأة.
- إن الإسلام ليس فيه ما يضمن حقوق الإنسان.
- إن الحجاب مجرد لباس وعادة وليس عبادة.
واستطاع هذا الصنف أن يستغل منابر إعلامية ومؤسسات رسمية للترويج والدعاية، كما استطاع أن يستثمر كثيرا من الوسائل والامكانات المتاحة ضد الأمة وضد مصلحة الاسلام، وهكذا تم توظيف مؤسسة الإعلام والتعليم والجمعيات والنوادي للدعاية لهذه الأشكال الجديدة بتمويه لغوي وخداع لفظي واختيار مضامين فاسدة، وحشرها ضمن أخرى صالحة.
د. مصطفى بنحمزة