رحم الله تعالى قائل المثل العربي : (يداك أوكتا وفوك نفخ)
أنتم تزرعون وأنتم تحصدون.
ليس منا من لم يسمع ولم ير وضع العالم الآن. والكل يقول : سلم يا ربي سلم. بالأمس القريب جدا مرض جنون البقر، وبعده أنفلونزا الطيور، واليوم أنفلونزا الخنازير، وغدا يعلم الله ما ذا سيكون، وذلك كله ما هو إلا مسمى واحد لأفعال كثيرة. المسمى غضب الله، والعياذ بالله، والثاني أعمال البشر يترجمها الواقع المر الذي عليه العالم الآن.
الكل يتساءل مع نفسه أو مع الغير : ما بال الدنيا اليوم؟! لم يكن الآباء والأجداد رحمهم الله تعالى يعرفون مثل ما يعرفه جيل اليوم.
ما للزمان يطوى ويمر بهذه الكيفية السريعة؟؟ كأن اليوم ساعة، والأسبوع يومٌ، والشهرَ أسبوعٌ، والسنة شهرٌ، أين البركة التي تمتع بها السابقون من الآباء والأجداد؟! أين البركة في المال والنفقة؟ حيث كان الفرد يربح القليل ويدفع الكثير.
أين البركة في العمر؟!
أين اللذة في الطعام والشراب؟! حيث كانت المنتوجات الفلاحية طبيعية، لا تعرف أدوية ولا غيرها.
أين التكافل الاجتماعي بين طبقات الأمة الواحدة؟! لم نكن نعرف هذا الثراء الفاحش عند البعض، بينما البعض الآخرُ يتخبط في الويلات والفقر المذقع، حيث لا يجد أبسط وسائل العيش من مأكل ومشرب وملبس ومسكن.
أين هي حقوق الإنسان التي تملأ المجلدات والصحف والمجلات؟! ما أكثر الحقوق تدوينا وأقلها تطبيقا!!
كيف ظهرت الأمراض الفتاكة بين المجتمعات أفرادا وجماعات؟!
حتى الأدوية صارت مسكنات لا علاجية. ترى الشباب في عنفوان العمر، والكثير منهم يشتكي ضعف الصحة وبعض الأمراض. الهموم كثيرة والحلول ضعيفة.
لماذا لا يقف إنسان اليوم ويراجع حسابه مع ربه ومع نفسه ومع عالمه؟ هذه الكوارث والمصائب ما هي إلا نتائج لما زرعت يداه.
لماذا تتمرد أيها الإنسان، على خالقك ومولاك؟ لماذا تقابل الإحسان بالإساءة والنعم بالجحود؟ لما ذا لا تحسن إلى غيرك من البشر؟ لما ذا تخون أمانة الاستخلاف على الأرض؟ أسئلة تكاد لا تنتهي مطلقا.
قال تعالى : { يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك}(الانفطار : 8).
إنني أكتب هذه الخواطر، وكلي أسف وألم وحسرة على ما أسمع وأرى، أينما حللت وارتحلت، مشاهد مخزية، خاصة في وسط الشباب والشابات، أوكار للفساد، منتشرة في كل مكان، بل في كل حي، يرتادها جيل في مقتبل العمر من الصنفين معا، من أجل قضاء وقت ممتع كما يسمونه في شرب الشيشة والسجائر ويعلم الله وحده ماذا هناك.
لم يعد الكثير من الناس يخافون خالقهم وأسرهم والمجتمع. وإذا سألت أحدا منهم أجاب بأنني حر في تصرفاتي. ألم يعلم هذا أن للحرية حدودا، إذا تعداها صارت فوضى؟
ألم يعلم أن الحياء إذا نزع من أحد فقد قيمته كإنسان، بل شابهالحيوانات العجماء؟!
ومن هنا، ومن غيره كثر الخبث وقل الصلاح، وهذا ما نقرأه في قول معلم البشرية، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
فعن أم المؤمنين زينب رضي الله عنها أن النبي دخل عليها فزعا يقول : “ويل للعرب من شر قد اقترب، فُتِحَ اليوم من ردم يا جوج ومأجوج مثل هذه وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها. فقلت يا رسول الله : أنهلك وفينا الصالحون؟ قال : نعم إذا كثر الخبث” (رواه البخاري ومسلم).
لقد أطلع الله تعالى رسوله الكريم على عالم الغيب، فرأى عالم الغيب : ورأى عالم الدنيا كلها شرقها وغربها وشمالها وجنوبها، رأى ما يقع للعرب في المستقبل القريب. وها نحن نرى ما أخبر به الصادق المصدوق من كثرة الفتن والنكبات على العرب والمسلمين والبشرية جمعاء. وما ذلك كله إلا بسبب استبدال التعاليم السماوية الإلهية بالقوانين الأرضية الضعيفة، فلما غيروا الحقيقة الربانية، غير الله ما بهم. قال عز وجل : {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}(الرعد : 11)
فلما كثر الفساد في البر والبحر طغى على القليل من الصلاح، فصار أهل الصلاح كالنجوم في واضحة النهار. وهذا سبب سؤال سيدتنا زينب رضي الله عنها حين قالت لرسول الله : >أنهلك وفينا الصالحون؟ قال : نعم إذا كثر الخبث<.
صدقت يا معلم البشرية، يا طبيب القلوب يا قرة أعين المؤمنين، يا من أنطقك الله بكلامه العظيم.
إن دخولك إلى بيتك الشريف، وأنت في حالة من الفزع والاضطراب يبين حزنك العميق وأنت تردد : “لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب”.
إن توالي النكبات والمصائب على الدنيا وأهلها كان بكناية لطيفة من رسول الله ، في إشارة إلى ابتداء ثقب سَدِّ (ياجوج وما جوج) الذي يحجز وراءه أقواما متوحشة إذا خرجت أهلكت الحرث والنسل.
فهذا السد إن تم خرابه، نسأل الله سبحانه اللطف، كان لا محالة سببا في القضاء على الأرض ومن عليها.
بعض المستفادات:
1- كل مؤمن على وجه الأرض يتألم ويتحسر بسبب ما حصل ويحصل لساكنة الكرة الأرضية من فساد وخبث ، وبجميع الأشكال التي يبغضها الله سبحانه.
2- إن السكوت عن مقاومة المنكر من الأسباب الرئيسية التي تنتج عنها النكبات والمهالك التي تلحق بالبشرية قاطبة.
3- كل فرد من أفراد المجتمع مسؤول عما استرعاه الله عليه، فمن صلح أصلح الله على يديه، ومن فسد، تعدى فساده إلى غيره.
ذ. محمد بن شقرون