في نصٍّ متميز من كتاب “سأخون وطني” للأديب السوري الراحل محمد الماغوط يحكي عن مواطن عربي، دفعه انسداد أفق الحرية أن يهجر حضن وطنه، ويتوسد أرصفة الغرب، تمر به سيدة غربية وهو في وضع مزرٍ، فتشمئز من منظره وتقول له :
- أنت إنسان ينقصك الذوق… فيرد عليها :
- لا يا سيدتي، أنا إنسان ينقصه وطن..
تذكرت هذا النص الساخر، وأنا أتابع هذه الأيام كغيري من المواطنين العرب، إحدى فضائيات وطننا العربي الجريح، وهي تعيد كل ربع ساعة إعلانا سخيفا مفاده : أن كوريا الجنوبية سبق لها أن وقعت في الثمانينات معاهدة أمنية مع الولايات المتحدة، ومن يومها وهي تتسلق سلم الرقي إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه، وعليه فإن العراق وهو يوقع في 14 كانون الأول (أكتوبر) 2008 اتفاقية مماثلة مع الولايات المتحدة إنما يختار الطريق الصحيح نحو التقدم والازدهار… بَخٍّ، بخٍّ… يا له من تحليل رائع صادر عن قناة يملكها أمير نفطي، همها الأساس تحريك الجزء الأسفل منا، ونشر كل ما من شأنه تدمير أخلاقنا وتمييع شبابنا،،، أقول لمن يقف وراء هذه الإعلانات المتهافتة، أن العراق لم يكن متخلفا رغم ديكتاتورية صدام، بل كان يشكل القوة الضاربة في الخليج العربي، وينتج فكرا وعلما في العالم العربي، واليوم بعد الغزو الأمريكي وحلفاءه ماذا بقي من العراق سوى الخراب… ألم يقل وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد إنه سيعيد العراق إلى العصر الحجري؟!!.. ألم يقل رئيسه بوش آنذاك إنها لحرب صليبية على الإرهاب الإسلامي، هذا هو التقدم الذي تبشر به فضائيات “هز البطن”.. الإنسان العربي ليس متخلفا، والإنسان العراقي على الأخص… لسنا في حاجة أن تدوسنا جحافل المارينز لكي نتقدم… نحن في حاجة لوطن يحضن أفكارنا ويتسع لإبداعنا وطن تنتشر فيه المدارس، والجامعات، ومراكز البحث العلمي، بدل انتشار المخافر والمعتقلات، وطن يمكنك أن تقول فيه للظالم ولو كان حاكما : كفاك ظلما، من غير أن تطال رأسك بلطة الجزار… وطن يحتفي بالفن والجمال وينبذ بالقبح والكراهية.. وسوى ذلك فسيظل نزيف العقول مستمرا… وسيظل الوطن العربي سجنا كبيرا يضيق بعقول أبناءه، ويحتفي بسنابك الغزاة…
ذ. أحمد الأشهب