لا نعلم إن كان من السهولة أم من الصعوبة الحديث عن رسالة للأدب كيف ما كان نوع هذا الأدب وجنسه، وما إن كانت هذه الرسالة موجودة بالفعل، في ظل هذا الفكر السطحي السائد في هذا العصر، ولكن قبل الغوص في هذا الشأن لابد أن نتعرف عن ماهية الأدب وهو سؤال ينبغي طرحه حتى نتبينه بشكل واضح إن أمكن، فما هو الأدب؟ وما تعريفه؟ وما الرسالة التي يقدمها؟ مادام أن لكل عمل رسالة يقدمها المبدع في أي ميدان من الميادين الأدبية أو العلمية على حد سواء.
وفي إجابتنا لهذا السؤال العميق الذي يحمل في طياته الكثير من التشعب والصعوبة مما يعسر علينا تحديد مفهومه بدقة وشمول كبيرين،حتى إن حاولنا الإحاطة بهذا المفهوم إلا أننا سنجد أنفسنا قاصرين عن تحديده وستبوء بالفشل حتما،ذلك أن الأدب”مفهوم واضح وغير محدد في آن واحد” وكذلك لأنه لا يتعرف من جانب واحد، ولا من وجهة نظر واحدة.الا انه من الممكن إعطاء محاولة تعريف للأدب، وهو”نظام خاص للتعبير عن الشأن الاجتماعي وتاريخ المفاهيم المتغيرة إلى الكتابة الفنية،ونتاج فني تنعكس فيه أصداء الصراع بين النظريات”،فهو إذن مفهوم متغير مما يجعل تحديد طبيعته أمرا مضنيا.
أما بخصوص رسالة الأدب وعوائقها فهي تدخل في نطاق ما يسمى بقضية الغموض في الأدب، وهي قضية نقدية قديمة إلا أنها انتشرت في العصر الحديث بكثرة وهو ما يتداول عند القراء بالغرابة والتعقيد، وهو من احد أهم أسباب إعاقة رسالة الأدب لأنه بالغموض تنعدم الرسالة ويبقى بذلك أدباً بدون رسالة تذكر.وما جدوى هذا الأدب الذي يكتبه المؤلف إلى المتلقي بطريقة غامضة، وأساليب معقدة، ولغة عربية لكن فيها من التعقيد ما يولد في القارئ الضجر والملل والنفور من قراءته له، فما نعلمه أن الكاتب أو المبدع يكتب للقارئ حتى يفيده ويمتعه، فلماذا يلجأ إلى تأليف أدب غامض لا يفهمه سواه؟ وكأنه ألفه لنفسه فقط،فهنا هذا العمل الأدبي لا يقدم أية رسالة تذكر بحكم غموض هذا النتاج الأدبي، فالغموض يؤدي إلى التشويش في تلقي الرسالة الأدبية وكذلك يفقد هذا النتاج فعاليته فيبقى رفيق الرفوف لا يطلع عليه احد لان القارئ بحاجة إلى أدب واضح يستفيد منه ويستمتع بما كتب وهي الرسالة الإجمالية التي يقدمها الأدب الواضح،لا إجهاد فكره كما هو موجود في الأدب الغامض، الذي لا يقدم أدنى رسالة.
فما تحدثت عنه مسبقا هو أن للأدب رسالة بانية في الأدب الواضح الخالي من الغموض ويمكن أن استدل على هذا القول من خلال طرحي لنموذج فذ يمكن أن يسعفني في تبيان رسالة الأدب حيث آثرت أن أقدم رواية “عائد إلى حيفا” لما لهذه الرواية من رسائل عديدة تحملها في ظل ما تعيشه الأمة العربية الإسلامية من ذل وأزمات متتابعة تجعلنا بحاجة إلى اخذ العبر منها ويعتبر صاحب الرواية غسان كنفاني أكثر كتاب الرواية الفلسطينية وعيا في سبر أغوار النفس الإنسانية في مجمل حالاتها،كما تعد روايته “عائد إلى حيفا” مليئة بالرسائل التي تقدمها إلى المتلقي العربي بصفة عامة، ومن الرسائل العميقة التي تقدمها نقل الواقع الفلسطيني المرير، وتصوير معاناته وبؤسه بكل ما يقدمه من تضحيات من اجل الوطن والدفاع عن قناعاته الثقافية والفكرية.كما تحمل رسالة أخرى تتجلى في إدانتها للعجز الذي تمثل في قطاع من الرعيل الفلسطيني والعربي الأول الغارق بمفاهيم ذاتية أنانية عاجزة، وكذا تحمل رسالة اتهام لكل من ساهم أو وقف موقف المتفرج على مأساة تشريد شعب، واغتصاب أرضه بغير حق، وبقي كنفاني مؤمنا اشد الإيمان بان كرامة الفلسطيني لا تسترد إلا بالمقاومة عن طريق النار والكلمة. فهذا الأدب الذي قدمه غسان كنفاني أدب مقاومة يحمل رسالة النضال والتضحية من اجل الوطن إلى المتلقي تنمي فيه روح المسؤولية النضالية التي تتمثل في التصدي للاحتلال وعدم الخضوع له والتمسك بالأرض والوطن والاعتزاز بالاسلام والقومية العربية، وبذلك فرسالة الأدب الذي تحدثت عنها ظهرت بشكل جلي في هذه الرواية المتميزة”عائد إلى حيفا” لغسان كنفاني، التي حسست المتلقي بالواقع المرير للإنسان الفلسطيني الذي يتمثل في اغتصاب أرضه، وتشريده وترحيله، كما حاولت أن تنمي فيه روح المقاومة والنضال من اجل الحرية، هذا النضال الذي يعني نضال البندقية مع نضال الكلمة.
فالحديث عن رسالة الأدب، موضوع يطول فيه الكلام، ويحتاج إلى الكثير من البحث والاهتمام، نظرا لما يشتمله هذا الموضوع من أهمية كبرى، ولكن تبقى لهذا الموضوع الفكرة المحورية وهي أن الأدب تكمن فعاليته من خلال الرسالة التي يقدمها إلى المتلقي وتفاعل هذا المتلقي معها.
الطالبة: الغريس فاطمة