ذ. عبدالمجيد التجدادي
كنت أراقب طفلة صغيرة لم تتجاوز بعد عامها الأول، تتلقفها أحضان أقاربها، وتحظى منهم بأقصى درجات الرعاية والحنان والعطف وهي الغضة الطرية… ورأيت هؤلاء، وقد غمرتهم السعادة، يتحلقون حولها ويتنافسون على حملها ؛ فما أن يبادر أحدهم باحتضانها، حتى يهب الآخرون إلى محاولة أخذها منه؛.. أما الأم والأب اللذان أنجبا، فيراقبان غير بعيد وعلى وجهيهما ارتسمت ابتسامة عريضة وسرور، تتنقل نظراتهما هنا وهناك حيث تتنقل وحيدتهما، وقلباهما يخفقان معا على وتر واحد.
وكنت كل مرة أراقب فيها تلك الطفلة الصغيرة، أكتشف طرفا آخر جديداً من أطراف شبكة العلاقات العائلية الواسعة التي تنسجها مؤسسة الزواج المباركة؛ فرأيت بذلك أن تلك الشبكة العائلية حصن حصين يمنع عن تلك الطفلة آفات الدهر وتقلباته، وتجعلها في قرار مكين.
إنه لا تبديل لخلق الله، وإنه لا يستطيع غريب أن يُكِن لغريب ما يُكِنه قريب لقريبه؛ كما إنه لا أحد يستطيع أن يعوض دور الأم والأب، والجد والجدة، والعم والعمة، والخال والخالة..، واللائحة تطول لجرد مختلف خيوط شبكة العلاقات التي تنسجها مؤسسة الزواج المباركة.
وإنه لا يُخاف على أمر تلك البُنَيَّة من نوائب الدهر شيء، لأن الملجأ العظيم الذي بنته لها مؤسسة الزواج المباركة، من خلال تلك الشبكة، تحميها بمشيئة الله عز وجل من الضياع في خضم هذه الحياة.
فلتطمئن كل أم وليطمئن كل أب أسَّسا أسرتهما على أساس قواعد مؤسسة الزواج الشرعية أن أبناءهما في قرار مكين موصول بحبل متين تحوطه رعاية الله عز وجل؛ وقد قال رسول الله : >الرحم معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله<(متفق عليه).
… وهكذا، كنت كلما انشرح صدري لذلك المشهد الجميل الأخّاذ مع تلك الطفلة التي أنعم الله عز وجل عليها بالقرار المكين ؛.. انقبض صدري من جديد عندما أذكر أولئك الضحايا الأبرياء من الأطفال الذين تتلقفهم الشوارع، وتتقاذفهم الأرجل، فيبقون عرضة للآفات والمهالك، لا أحد من قريب أوبعيد يهتم بهم، ولا حضن يعطف ويحنوعليهم، ولا حصن يقيهم… الأعين تنظر إليهم شزَرًا وتجهُّما، والأيام لا تأتيهم إلا بما يسوؤهم..؛ وقلوبهم، التي حرمت معاني دفء الرحم، لا تزيدها تلك الأيام المتواليات عليهم بسوئها إلا قسوة وحقدا وغضبا يُغذي في صدورهم رغبة مكبوتة في الانتقام..، لا تجد لها مخرجا إلاّ بادرت عبره بالتعبير عن نفسها والتنفيس عن سُعارها.
لكم الله عز وجل أيها الضحايا الأبرياء..، لكم الله.
فيا أيها الجاني الذي أغوته شهوة ساعة، ويا أيتها الجانية التي أغوتها شهوة ساعة، أنظرا ماذا فعلتما بتلك النسمة المسكينة : مما حرمتماها أبد الدهر، وإلاَمَ عرضتماها أبد الدهر.
ويا أيها الجاني، ويا أيتها الجانية، أنظرا لِعِظَم جُرْمِكُما في حق تلك النسمة المسكينة وفي حق المجتمع. إنكما والله لَتَخْرُقان في جدار سفينته خرقًا، وإنه ليزيد الخرقُ بتكاثر أمثالكما..، وإن السفينة لتكاد تغرق إن لم يغثها لطف الله عز وجل بدعاة المعروف دعاة الجنة.
ويا دعاة المنكر وأبواقَهُ، كفوا عنا شركم ودعاواكم الجاهلية، فإنما أنتم دعاة جهنم.
ويا أيها المجتمع المسلم، لك أن تختار بين ما يسرك وما يسوؤك، وبين ما ينجيك وما يرديك..؛ فإنما أنت مخير ما بين جنة أبناء الحلال، وجهنم أولاد الحرام.
وإنه صدق رسول الله إذ يقول : >لا تزال أمتي بخير ما لم يفْشُ فيهم ولد الزنا، فإذا فشا فيهم ولد الزنا فيوشك أن يعمهم الله عز وجل بعقاب<(رواه أحمد)؛ و>ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله عز وجل<(رواه أحمد).
اللهم لا تعذبنا بما فعل السفهاء منا ؛ آمين.