ذة. فتيحة الشايب
في ذكرى عيد مولدك الجليل تتجاذبني مشاعر متماوجة. ومتمازجة بين الفرح والشوق إليك وبين شجني على ما آلت إليه حالة أمة المسلمين بعدك…. هيام بتباشير مولدك العظيم وبزوغ فجر الإسلام الذي أرسيت قواعده وأتممت رسالته بما يحب الله سبحانه وتعالى وحزن على هذا التشرذم والتنازع فيما بيننا على أمور الدنيا برغم أن هذه الأخيرة معبر فقط لعالم أوسع وأطهر… ما آل إليه حالنا من تطاحن سياسي وعرقي وفتنة وفي وجود كتاب الله عز وجل وسنتك الطاهرة ليوحي إلينا بالعار من أنفسنا… كيف لا ونحن من قال فينا جل جلاله في سورة آل عمران {كنتم خير أمة أخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتومنون بالله} كيف سنقابل وجه ربنا الكريم ونحن نفسر كلامه بما يرضي أهواءنا ومصالحنا. لقد أمنتنا على أنفس كنوز الحياة وأنت تودعها راضيا مرضيا ملتحقا بالرفيق الأعلى، وها هم المسلمون يخونون الميثاق متشبثين بسفاسف الأمور.. يلح علي السؤال المستعصي الجواب لما لا نجعل دنيانا رحلة روحية سامية نعلوبها على أنفسنا الأمارة بالسوء ونتسلح بزاد التقوى من صلاة وذكر كي نتطهر من شوائب الماديات التي أعمت بصيرتنا ؟ لما لا نغوص في قراءة القران الكريم ولولساعة لنتمتع بحلاوة معانيه ونغتسل عبر أثيره المبارك من ذنوبنا ؟ ولما لا نبحر في سيرة المصطفى بسعة فكر ونعتبر منها لننسج خيوطا لحياتنا قوية قادرة على صد كل ما هومهين لنا؟ لما لا نحول كبرى سلبياتنا لإيجابيات، ونزاوج بذلك بين عقولنا وروحنا من خلال رفع أعيننا للسماء والتأمل في زرقتها الصافية مسبحين ومترنمين بعظمة هذا الوجود.. لما لا نفكر في جعل الصلاة عليك حلما جميلا يوصلنا لنشوة نرتفع بها عن كل ما هو موجود؟
ما أحوجنا إليك يا حبيب الله… ما أحوجنا لصدقك في زمن تحول فيه الصدق لعملة ناذرة مستعصب التعامل بها وكل من تشبث بها اعتبر نشازا في تركيبة اجتماعية وسياسية طغى فيها الكذب بكل ألوانه غير المحرمة لتحقيق أهداف زائلة واهية.
ما أحوجنا لشجاعتك وحكمتك وعدلك وأمانتك في وقت تحول فيه مسؤولو الأمة لأشباه رجال يهابون قول كلمة الحق ويتسمسرون في الذمم الإنسانية.
ما أحوجنا لعمقك وطهرك وحيائك في مجتمعات انتزعت كل هذه الصفات حتى من العذارى.
ما أحوجنا لزهدك وشكرك في هذه الفترة الرأسمالية المتضخمة الداعية لتكديس الأموال والتعامل بالربا ليزداد الغني غنى والفقير فقرا وتنزع بذلك الرحمة من قلوبنا.. ونقسو على بعضنا البعض.
ما أحوجنا لتواضعك في الوقت الذي ترفع الرؤوس خيلاء وكبرا متناسية أن مثواها شبر من الأرض تعود فيه لخالقها لمحاسبتها..
ما أحوجنا لنظرة منك لكل المستضعفين والمقهورين ولمسة من يديك على الأرامل واليتامى وكلمة طيبة نجتمع حولها سواسية تنسينا قهر الطغاة والمتجبرين والمتزمتين ضد الدين، لنرنو بعدها جميعنا إلى يقين روحي نترجمه بشهادة لا إلاه إلا الله وأن محمدا رسول الله.
صلوات الله عليك يا خاتم الأنبياء والمرسلين وطوبى للغرباء المارين في هذه الدنيا كعابري سبيل… ممنين النفس بشفاعتك غدا يوم القيامة، ودمت نبراسنا المضيء لنا سراديب جاهلية القرن الواحد والعشرين.