ذة. هاجر بن الطيب
< >لا يَفْعَلَنّ أحدكم أمرا حتى يستشير فإن لم يجد من يستشيره فليستشر امرأة ثم يخالفها، فإن في خلافها البركة<
من حديث أنس وفيه عيسى ابن إبراهيم الهاشمي(1).
< >طاعة المرأة ندامة< >طاعة النساء ندامة<
هذان حديثان لا يصحان.
أما حديث زيد ففيه عنبسة، قال يحيى: ليس بشيء، وقال ابن حبان : هو صاحب أشياء موضوعة لا يجوز الاحتجاج به، ولا بعثمان بن عبد الرحمن، وحديث عائشة، قال العقيلي : محمد بن سليمان يحدث عن هشام بواطيل لا أصل له(2).
< >النار خلقت للسفهاء ألا وإن السفهاء هن النساء إلا التي أطاعت زوجها< رواه الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه(3)
عاشت المرأة في الجاهلية تتخبط وتتعثر بين التقاليد والعادات الخرافية، وبين الأحكام والأفكار الشاذة التي حرمتها حقوقها وحبستها في صورة مظلمة قاتمة حتى أواخر القرن السادس الميلادي، حيث بزغ فجر الإسلام من شبه الجزيرة العربية ليرفع عن المرأة مظالمها والإهانات التي لحقت بها عبر التاريخ، كما هو في هذه الأحاديث -الموضوعة- التي تسفه المرأة وتنقص من أهليتها، بينما في كتابه العزيز نجد خلاف ذلك؛ يقول الحق سبحانه {هو الذي خَلَقكم من نفْس واحِدة وجعل منها زوْجها ليسكُن إليها}(الأعراف : 189) فهي نفس واحدة في طبيعة تكوينها، وإن اختلفت وظيفتها بين الذكر والأنثى، وهذه هي نظرة الإسلام لحقيقة الإنسان؛ هي نظرة كاملة وصادقة جاء بها هذا الدين منذ أربعة عشر قرنا، يوم كانت الديانات المحرفة تعد المرأة أصل البلاء(4).
إذا كانت المرأة سفيهة قاصرة على الإدراك، كيف يقبل الرسول بيعتها، وكيف يمنحها الإسلام حق البيعة مع ما فيها من مسؤولية وأمانة، يقول تعالى : {يا أيّها النّبيء إذا جاءك المؤمنات يُبايعْنك على أن لا يُشْركن باللّه شيْئاً ولا يَسْرقْن ولا يزْنين ولا يقْتُلْن أولادَهُنّ ولا يأْتِين ببُهْتان يفْترينَه بين أيْدِيهن وأرْجُلهنّ ولا يعْصِينك في معروف فبايِعْهُنّ واستَغْفر لهنّ الله إنّ الله غفور رَحِيم}(الممتحنة : 12) فهذه البيعة تقوم على أساس هي المقومات الكبرى للعقيدة والأخلاق الاجتماعية، وليس هذا فحسب بل هي البيعة التي ميزت الدولة الإسلامية عن مجتمع الجاهلية، وقد كان الرسول يبايع الرجال كما يبايع النساء لمبدإ المساواة والعدالة بينهما، كما كان يشاورهم نساء ورجالا وأصدق دليل على ذلك ما حدث في صلح الحديبية عندما شاور الرسول أم سلمة وكان لرأيها الصائب أثره البليغ على الأمة.
فالإسلام صحح كل المفاهيم الخاطئة عن المرأة، ووضع ميزان الحق لكرامتها، وأكد على استشارتها والاستماع لنصائحها؛ والعمل برأيها إن وافق الصواب مصداقا لقوله تعالى : {وأمْرُهم شُورى بينهُم}(الشورى : 4) وقوله عليه الصلاة والسلام أيضا : >الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله، قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم<(رواه البخاري). ولقد أثبتت المرأة أنها أهل لذلك حين ردت على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ] لما نهى عن كثرة الإصداق فقد روى الحافظ أبو يعلى بسنده إلى مسروق قال : ركب عمر بن الخطاب ] منبر رسول الله ثم قال : >أيها الناس، ما إكثاركم في صداق النساء، وقد كان رسول الله وأصحابه والصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك، ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها، فلأعرفن مازاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم، قال : ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت : يا أمير المؤمنين : نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم؟ قال : نعم، فقالت : أما سمعت ما أنزل الله في القرآن؟ قال : وأي ذلك؟ فقالت : أما سمعت الله يقول : {وإن تيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئا} فقال : اللهم اغفر، كل الناس أفقه من عمر<(5).
من يتلوا كتاب الله وسنة رسول الله بتدبر لابد أن يصل إلى حقيقة واحدة، هي أن الإسلام كرم المرأة وصان لها حقوقها وبوأها المكانة التي حرمتها إياها الجاهلية السابقة.
—–
1- الكناني : تنزيه الشريعة المرفوعة، 308/1.
2- ابن الجوزي : الموضوعات، 272/2، ينظر : العجلوني : كشف الخفاء ومزيل الألباس، 37/2.
3- العجلوني : كشف الخفاء وهزيل الألباس.
4- سيد قطب “في ظلال القرآن” ط 24، 1415هـ – 1995م، دار الشروق بيروت، 8، ص 1411.
5- تفسير ابن كثير، وقال حديث حسن صحيح، دار الفكر 1404هـ 1984. بيروت، لبنان 468/1. (وفي رواية أخرى : امرأة خاصمت عمر فخصمته).