سعادة المدعي العام :
بداية أقدر لكم هذه الشجاعة المفرطة وأنتم تطالبون برأس البشير، غير أني أعتبرها شجاعة ناقصة إن لم تطل رؤوسا أخرى تفننت في صناعة الجريمة، وولغت في دماء الأطفال والنساء والشيوخ… ففي الوقت الذي أصدرت فيه محكمتكم الموقرة مذكرتها المشؤومة في حق رئيس عربي، كان هناك مجرمو حرب من الدرجة الأولى، يقضون تقاعدهم المريح بعد أن دمروا حضارة الرافدين وتركوها نهبا لجحافلهم التي أتت على الأخضر واليابس… أين يقع البشير من جرائم “بوش” الذي ما دخلت جيوشه بلدا إلا وتركته خرابا تنعق فيه البوم والغربان…؟! بل أين هو من جرائم الصهيونية التي بكى لها العالم في جنين وغزة، ولبنان…؟!
سعادة المدعي العام :
أعرف أن شجاعتك لن تستطيع أن تطال رؤوس هؤلاء المجرمين بامتياز، وأن محكمتكم تكيل بمكيالين… لقد سبق وأن عرض على هذه المحكمة الظالمة دعوى من ضحايا صبرا وشاتيلا وألقوا في وجوه قضاتكم بألف دليل ودليل، وطالبوكم بإصدار مذكرة اعتقال في حق رئيس الوزراء السابق أرييل شارون على اعتبار أنه مجرم حرب، فماذا فعل حكماؤكم سيادة المدعي العام؟؟.. لا شيء، غير أن الله انتقم منه شر انتقام، وربما أنه الآن يطلب الموت فلا يجده… أفلا تكفي كل هذه الجرائم لمتابعة مرتكبيها؟؟ أم تريدني أن أذكرك بمخازي السياسة الأمريكية في أفغانستان والعراق (غوانتنامو.. أبو غريب…إلخ) أم أذكرك بحصار جنين وغزة ومحرقة قانا الأولى وقانا الثانية…؟! لا أظن أن ذاكرتك ضعيفة إلى هذا الحد….
سعادة المدعي العام :
اعلم أن الظلم مهما طال وانتفش فَسَيْف العدل أطول… إن لم يكن العدل البشري الذي تمثلون جزءا منه، فهناك العدل الإلاهي الذي لن يحابي أحدا على أحد… إن قراركم الذي أصدر تموه -حتى وإن كان البشير جانيا- يعتبر وصمة عار في جبين عدالتكم الموسومة بازدواجية المعايير… فسلام على هذه العدالة العرجاء التي آن لها أن تركن في أحد بيوت العجزة، فاسحة الطريق لعدالة حقيقية ليس فيها شعوب من لُجَيْن(2) وشعوب من طين.
—
1- المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية للاهاي.
2- لُجين : يعني فضة.