ذ. طارق زوكاغ
القصص القرآني قصص واقعي وحقيقي ، والهدف منه هو أخذ العبرة والتسلية بمفهومها الصحيح الذي يعني المواساة ، واتخاذ مواقف سليمة في حال تكرار “سيناريو” تلك القصة وإن تغيرت الشخصيات التي أدت الدور أول مرة ، قال تعالى : {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}(يوسف : 111).
وليس القصد من عرض القصة في القرآن الكريم مجرد الترف المعرفي ، والتسلية بمفهومها الخاطئ في الحقل التداولي الشعبي الحديث الذي يحمل معنى اللهو الفكري .
ومن بين القصص الوارد في القرآن الكريم ما تضمنته سورة البروج، حيث كان المحور الذي تدور عليه هو حادث أصحاب الأخدود ، وخلاصة القصة هي أن :”ملكا ظالما كافرا أسلم أهل بلده، فأمر بحفر الأخدود ، وأضرم فيه النيران، ثم أمر زبانيته وجنوده أن يأتوا بكل مؤمن ومؤمنة ويعرضوه على النار، فمن لم يرجع عن دينه فليقوه فيها ففعلوا، حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيه، فقال لها الغلام : يا أماه اصبري فإنك على الحق”(1).
قال الشيخ الطاهر بن عاشور: “وقصص الأخاديد كثيرة في التاريخ، والتعذيب بالحرق طريقة قديمة، ومنها: نار إبراهيم عليه السلام”(2)، ويضاف إلى تلك الكثرة أخدود غزة .
أقول بهذه الإضافة لأننا إذا ما تدبرنا أحداث قصة أصحاب الأخدود وتأملناها نجدها تنطبق تماما على أهل غزة أثناء الحرب الإسرائيلية الأخيرة.
فإذا كان سبب لعن(3) أصحاب الأخدود في سورة البروج هو تحريق المؤمنين بنار ملتهبة لا تنطفئ لأن لها وقودا يلقى فيها كلما خبت ، فإن هذا ما كان في غزة؛ لكن لهيب النار كان مصدره وقود جد متطور هو الفسفور الأبيض .
وإذا كان أصحاب الأخدود “الملك و ملأه” هم وحدهم الشهود في ذلك الوقت الذين عاينوا الجريمة ، فإن أصحاب أخدود غزة ليس “أولمرت وباراك وليفني وملأهم وحدهم”؛ بل أهل الأرض جميعا لأن الكل شاهدوا قنابل الفسفور الأبيض على شاشات التلفازمباشرة وهي تحرق غزة بالليل والنهار.
وإذا كان في قصة أصحاب الأخدود صبي أحرق هو وأمه في مشهد إعجازي حيث ثبتها على الحق بعد أن كادت تتراجع إشفاقا عليه ، فإنه في أخدود غزة قضى أزيد من أربع مائة أم و طفل.
ولم يبق من هذه المقارنة التشبيهية التي اكتملت أركانها (المشبه، المشبه به، وجه الشبه) سوى أخذ العبرة واتخاذ المواقف السليمة؛ فنقول لأهلنا بغزة : {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}(البروج : 9) لعل في هذه الآية مواساة ووعداً من الله لكم.
ونقول للصهاينة الطغاة {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ}(البروج :10) ففي هذا تهديد ووعيد لكم .
ونقول لأنفسنا لا ينبغي أن ننسى فلسطين، أو نساوم عليها فإن غيرنا جعل روحه وماله وأهله فداها، لأنها ليست مسألة أرض؛ بل قضية عقيدة مسطرة في اللوح المحفوظ.
—-
1- ينظر تـفصيل القصة في صحيح الإمام مسلم كتاب الزهد و الرقائق باب قصة الغلام .
2- تفسير “التحرير والتنوير” ج : 20 ، ص : 4783.
3- قال ابن عباس:” كل شيء في القرآن “قتل” فهو لعن” ، ينظر تفسير ابن كثير، تفسير سورة البروج، ج : 4.