وضعت الحرب أوزارها، ورجع العدو خاسئا يجر أذيال الهزيمة، ويتجرع مرارة الانتكاس، وهو الجيش الذي لا يقهر كما يزعم المرجفون والأفاكون والمنبطحون من بني جلدتنا.
عاد إلى جحره دون أن يحقق الأهداف التي أوقد نار الحرب من أجلها، فلا الصواريخ أوقف، ولا المقاومة أباد، غير أنه أظهر خسته ونذالته بالإمعان في قتل الأطفال والنساء والعزل، وهدم البيوت والمساجد والمدارس.
ولى مذموما مخذولا، وبقيت الدروس والعبر لمن أراد أن يعتبر من شرفاء العالم وعقلائه، ومن المسلمين الذين لازالت على أعينهم الغشاوة، وما انفكُّوا ينادون بالسلام مع بني صهيون، ويقفون على أعتابهم يستجدون معاهدات الخزي واتفاقات الذل.
فما هي إذن بعض العبر والدروس التي تستفاد من هذه الحرب؟!
1- الإيمان سبب القوة ومعدن النصر والصمود قال سبحانه وتعالى : {وأنتم الاعلون إن كنتم مومنين}، لقد أثبت إخواننا في غزة قوة إيمانهم وصحة يقينهم، فرغم الدماء والشهداء فلا تسمع إلا الاحتساب والاسترجاع، والعزم على الصمود، و إن تعجب فاعجب لتلك الفتاة التي قتل أفراد أسرتها، وهدم بيتها، ثم تقف على ركام البيت لتعزف لحن الصمود، إنه الإيمان وحسبك به!!
2- إعلان الأمة عن هويتها، وقد ظهر هذا من خلال خروج الشعوب منددة متوعدة، متضامنة، باذلة ما تستطيع من دمها ومالها نصرة لغزة، مما أحيى فينا معاني الولاء والشعور بمآسي المسملين.
3- سقوط القناع عن المنظمات الدولية التي تتشدق بالديمقراطية، والدفاع عن حقوق الإنسان، وظهر لكل من لديه مسكة عقل زيف ادعاءاتها، وانحيازها لبني صهيون. وبدا جليا أنها تقف مع الصهاينة في خندق واحد ضد المسلمين، وصدق الله العظيم إذ يقول : {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} وتأمل معي في قو ل ا لحق {ملتهم} ولم يقل ملتهما، إذ الكفر ملة واحدة.
4- تمحيص الصف، وفضح المنافقين الذين إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذاخلوا إلى بني صهيون قالوا إنا معكم، فقد رأى كل العالم تواطؤهم حينما استنكف قائدهم أن يرفع دعوى قضائية على قادة بني صهيون في المحكمة الدولية الجنائية، وأبى إلا أن يمعن في إظهار الولاء للأعداء.
6- سقوط خيار السلام الذي كان يعتبر خياراً استراتيجيا إلى الأمس القريب، وأي سلام مع قتلة الأنبياء والرسل ألم تسمع قول الحق سبحانه {كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم} فهل بعد هذا البيان من بيان؟! ثم إن الواقع أثبت هذا الأمر. فمنذ عقود خلت والمعاهدات تبرم، ومسلسل السلام كلما اكتمل فصل منه انفرط عقد الفصل الذي قبله، فهلا عادت الأنظمة والنخب إلى خندق الشعوب، عسى أن نستعيد بعض كرامتنا وعزتنا.
هذه بعض الدروس التي يجب على الأمة أن تعيها، وإلا بقيت أسيرة الذل والهوان، فاللهم افتح بصائرنا حتى نرى حقائق الأشياء وأخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار العلم والفهم، آمين.