“كُمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد” (متفق عليه).
نقف اليوم مع واحدة من الكاملات نقف اليوم مع سيدة الصادقات و مع سيدة نساء قريش زوجة خير خلق الله خديجة الكبرى.
هى أم المؤمنين، وخير نساء العالمين، خديجة بنت خويلد -رضي اللَّه عنها- كانت تدعى في الجاهلية: الطاهرة؛ لطهارة سيرتها،و كان أهل مكة يصفونها بسيدة نساء قريش، وكانت ذات شرف ومال وحزم وعقل، وكان لها تجارة، فاختارت النبي ليقوم بها، وبرَّرت ذلك الاختيار بقولها له: “إنه مما دعاني إليك دون أهل مكة ما بلغني من صدق حديثك، وعظيم أمانتك، وكرم أخلاقك”، فعرضت نفسها عليه، وبعثت إليه من يخبره برغبتها في الزواج منه، لما رأت فيه من جميل الخصال وسديد الأفعال.
وفكر رسول اللَّه في الأمر، فوجد التي تدعوه إلى الزواج امرأة ذات شرف وكفاءة، من أوسط قريش نسبًا، وأطهرهم قلبًا ويدًا، فلم يتردد وتزوجها رسول الله ، فولدت له: زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة الزهراء، والقاسم، وعبد الله
وكانت -رضي الله عنها- مثالا للوفاء والطاعة، تسعى إلى مرضاة زوجها، حتى كان الحبيب المصطفى لا يخرج من البيت حتى يذكرها فيحسن الثناء عليها.
وعندما نزل الوحي على رسول اللَّه كانت أول من آمن به. فقد جاءها الرسول يرتجف، ويقص عليها ما رأى في غار حراء، ويقول: <زمِّلوني زمِّلوني< أي غطُّوني. فغطته حتى ذهب عنه ما به من الخوف والفزع، ثم أخبرها -رضى اللَّه عنها- بما رأى في الغار وبما سمع، حتى قال: >لقد خشيتُ على نفسي<. فأجابته بلا تردد وطمأنته في حكمة بكلماتها التي نزلت عليه بردًا وسلامًا فأذابت ما به من خوف وهلع، قائلة: >كلا واللَّه، ما يخزيك اللَّه أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلّ، وتُكْسِبُ المعدوم، وتَقْرِى الضَّيف، وتُعين على نوائب الحق<(البخاري). ثم سارعت إلى التصديق برسالته والدخول معه في الدين الجديد.. فكان قولها الحكيم تثبيتًا لفؤاد النبي وتسرية عنه.
علمت أن اللَّه يجزى عن الخير خيرا، و يجزي عن الإحسان إحسانا، وأنه يزيد المهتدين هدى، ويزيد الصادقين صدقًا على صدقهم، فقالت: أبشر يا ابن عم واثبت، فو الذي نفسي بيده، إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة..
وكانت -رضي الله عنها- تهيئ للنبي الزاد والشراب ليقضي شهر رمضان في غار حراء، وكانت تصحبه أو تزوره أحيانًا، وقد تمكث معه أيامًا تؤنس وحشته وترعاه.
ولما دخل النبي مع المسلمين شِعْبِ أبى طالب، وحاصرهم كفار قريش دخلت معهم -رضي الله عنها-، وذاقت مرارة الجوع والحرمان، وهي صاحبة الثراء والنعيم.
فرضي اللَّه عن أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، كانت نعم العون لرسول اللَّه منذ أول يوم في رحلة الدعوة الشاقة، آمنت به وصدقته، فكان إيمانها أول البشرى بصدق الدعوة وانتصار الدين. وثبتت إلى جواره وواسته بمالها، وحبها، وحكمتها، وكانت حصنًا له ولدعوته ولأصحابه الأولين، بإيمانها العميق، وعقلها الراجح، وحبها الفياض، وجاهها العريض، فوقفت بجانبه حتى اشتد ساعده، وتكاثر المسلمون من حوله، وانطلقت الدعوة إلى ما قدر اللَّه لها من نصر وظهور، وما هيأ لها من ذيوع وانتشار.. فلا عجب إذن إذا ما نزل جبريل على رسول اللَّه يقول: يا رسول اللَّه! هذه خديجة قد أتتك ومعها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربِّها ومني وبشرها ببيت في الجنة من قصب (من لؤلؤ مجوَّف) لا صَخَب فيه ولانَصَب (لا ضجيج فيه ولا تعب<(متفق عليه). ولا عجب إذا ما تفانى رسول اللَّه في حبها، إلى درجة يقول معها: >إني لأحب حبيبها<. وورد في الإصابة لابن حجر : وكان رسول الله ربما ذبح الشاة، ثم يقطعها أعضاءً، ثم يبعثها في صواحب خديجة” .
لقد كانت مثاًلا للزوجة الصالحة، وللأم الحانية، وللمسلمة الصادقة،: وتُوفيت -رضي اللَّه عنها- في رمضان قبل الهجرة في نفس العام الذي تُوفِّى فيه أبو طالب: عام الحزن كما سماه رسول اللَّه ، حيث فقد فيه المعين والسند، إلا رب العالمين