312 إطلالة على تاريخ فلسطين (1)
فلسطـيـن عبـر الـتـاريـخ
الفتح الإسلامي
ظهر الإسلام وتطلع النبي لفتح شمال الجزيرة، وكانت معركة مؤتة الواقعة شرق الطرف الجنوبي للبحر الميت، بداية الصراع بين المسلمين والبيزنطيين، وجهز النبي جيشاً بقيادة أسامة بن زيد ولكن توفي النبي قبل سيره، فبادر أبوبكر ] لإنفاذ الجيش، وقد وصل أسامة بن زيد إلى حدود شرقي الأردن وأحرز نصراً ثم عاد لنجدة الخليفة في حرب الردة.
وأرسل أبوبكر ] (633م) عدة جيوش نحوالشمال بقيادة عمروبن العاص ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وأبي عبيدة، واصطدم يزيد بجيش الروم في وادي عربة جنوب البحر الميت وهزمهم وتعقب فلولهم حتى جوار غزة (634م)، ثم أتم هووعمروتحرير جنوب فلسطين، وأسرع هرقل إلى إرسال جيش ضخم بقيادة أخيه ثيودورس، وأمر أبوبكر ] خالد بن الوليد أن يحضر من العراق لنجدة جيوش المسلمين في الجبهة الشامية، وقد انتصرت هذه الجيوش بقيادة عمروبن العاص ] في أجنادين (634م) انتصاراً حاسماً، وتم بعده فتح فحل وبيسان وغزة ونابلس واللد ويافا.
ثم وحّدت الجيوش الإسلامية بعد ذلك قواتها في وادي اليرموك، وبقيادة خالد بن الوليد ] كتب للمسلمين النصر، وصمدت القدس في وجه المسلمين، وكان الخليفة عمر يتفقد قوات المسلمين في الجابية، وفي أثناء ذلك جاءه رسل إيليا (القدس) يعرضون الصلح ويشترطون أن يتولى الخليفة نفسه تسلم القدس، وفيه أعطي لسكان القدس الأمان في أنفسهم ودينهم وكنائسهم وصلبانهم “ولا يسكن بإيليا معهم أحد من اليهود”. ومنذ ذلك الحين طبعت فلسطين بالطابع العربي الإسلامي المحض، إذ تعرّب من بقي من سكانها ودخلوا في الإسلام.
وفي العهد الأموي ظلت فلسطين تابعة لدمشق، ومن أعظم آثار العصر قبة الصخرة التي أمر عبد الملك بن مروان ببنائها (691م)، وولى الوليد بن عبد الملك أخاه سليمان جند فلسطين، فأحدث مدينة الرملة وبنى فيها قصره والمسجد الأبيض، وقد حرص اثنان من الخلفاء الأمويين على أخذ البيعة في بيت المقدس، وهما معاوية بن أبي سفيان وسليمان بن عبد الملك.
وفي العهد العباسي غدت فلسطين ولاية تابعة لهم، وزارها الخليفة المنصور وولده المهدي، واستقرت جماعات كثيرة من العرب الذين جاؤوا من الجزيرة إما مع الجيوش الفاتحة أوفيما بعد، وانضم هؤلاء إلى من كان هناك من قبل من العرب وتزاوجوا مع أهل البلاد.
ضعف الدولة العباسية
منذ أواخر القرن الثالث الهجري أخذت الدولة العباسية تفقد سلطانها على أجزاء كثيرة من الولايات التابعة لها وقد تأثرت فلسطين بذلك، فخروج الطولونيين على سلطة العباسيين واستقلالهم بحكم مصر (225هـ -293هـ) جعلهم يهتمون بفلسطين ولبنان وسوريا، فاحتلوا فلسطين، وبذلك عادت الصلات الوثيقة بين مصر وفلسطين على ما كانت عليه أيام الفراعنة، وقد قام الطولونيون في فلسطين بتحصين ميناء عكا.
وفي أوائل القرن الرابع الهجري أغار القرامطة من معاقلهم في شواطئ الخليج العربي على ديار الشام فوقعت فلسطين تحت حكمهم، ونالها على أيديهم من التخريب الشيء الكثير، ثم قامت دولة الإخشيديين في مصر (324هـ- 359هـ) فاحتلت فلسطين وضمتها إلى ملكها، وهكذا كان هذا القرن فاتحة أيام فوضى عصفت بفلسطين.
أما القرن الخامس فقد شهد فترة اشتدت فيها الفوضى، إذ جاء الفاطميون من تونس واحتلوا مصر وأنشؤوا القاهرة، واحتلوا فلسطين ووقعت القدس في أيديهم بعد أن انتزعوها من الحاكم السلجوقي، والسلاجقة كانوا قد استولوا على الخلافة العباسية في 491هـ وقامت لهم دول سلجوقية متعددة منها واحدة في سوريا شملت سلطتها فلسطين.
الاحتلال الصليبي
ألقى البابا أوربان الثاني سنة 1095م خطاباً يحرض فيه النصارى على إنقاذ القبر المقدس من أيدي المسلمين، فتوجه الألوف لذلك ولم يكن الهدف دينياً فحسب بل كان اقتصادياً أيضاً، فوصلت جموعهم إلى فلسطين فاحتلت الرملة ثم يافا ودمرتها، وحين حاصروا القدس كان عددهم 40 ألفاً، فلم تلبث الحامية المصرية الضئيلة أن استسلمت بعد شهر من حصارها، فدخلوا القدس سنة 1099م وذبحوا سكانها ولم يتركوا طفلاً أوشيخاً أوامرأة حتى زاد عدد القتلى على 70 ألفاً، وأقاموا مملكة لاتينية واستطاعوا أن يمدوا نفوذهم إلى عسقلان وبيسان ونابلس واستقروا في طبرية واحتلوا عكا بعد حصار ثلاث سنوات.
لكن المسلمين لم يترددوا في الدفاع عن أراضيهم، فكان لآل زنكي فضل قيادة الجموع المجاهدة، إذ ساهم نور الدين زنكي في إعادة بعض المدن والإمارات إلى حوزة المسلمين، وساهم من بعده صلاح الدين الأيوبي الذي استطاع استرداد بيت المقدس وخاض ضد الصليبيين معركة حطين الفاصلة (1187م)، وظلت بقايا الصليبيين في بعض المدن حتى استطاع خليل بن قلاوون أن يطهر البلاد منهم (1291م) وكان ذلك الأمر مفخرة للمماليك.
ويجدر القول إن المماليك -إضافة إلى تخليص البلاد من الصليبيين- دفعوا عنها الغزوالمغولي، فانتصر عليهم قطز وقائده الظاهر بيبرس في موقعة عين جالوت (القريبة من الناصرة) سنة 1259م. وقد أقام المماليك الأبنية الجميلة والمدارس، وأصلح الظاهر بيبرس قبة الصخرة، كما أصلح المماليك الحرم الإبراهيمي وبنوا جسراً جميلاً على مقربة من اللد.
العهد العثماني
انتصر العثمانيون على المماليك في معركة “مرج دابق” على مقربة من حلب، وبعدها ظلت فلسطين تابعة للدولة العثمانية طيلة أربعة قرون، ولم تتغير الصورة الإدارية والعسكرية لفلسطين إلا قليلاً عما كانت عليه أيام المماليك، وقد أبقى السلطان سليم التقسيم الإداري على أصله، فجعل سناجق (أومتصرفيات)، فالقدس ونابلس وغزة تابعة لولاية دمشق، وعكا تابعة لولاية صيدا، وكان الوالي التركي خليفة نائب السلطنة والمتصرف بشؤون السنجق، ولما كان هؤلاء بعيدين عن العاصمة إستانبول، فقد كانوا يشعرون بالكثير من حرية التصرف.
ومن أهم الأحداث السياسية ظهور شخصين في فلسطين مثلا على مسرحها دوراً مهماً؛ أولهما “ظاهر العُمر” شيخ صفد الذي ضم إليه طبرية ونابلس والناصرة وعكا (1750م)، وثانيهما “أحمد الجزار” الذي كان مملوكاً لوالي مصر والذي استخدمته الخلافة العثمانية لمواجهة ظاهر العمر وعينته والياً على صيدا، فشمل نفوذه سوريا كلها، وقد استطاع الجزار أن يرد حملة نابليون بونابرت (1799م) عن عكا بعد تضييق ومجاعة، فرجع نابليون والطاعون يفتك بجنده.
بعد أن أباد والي مصر “محمد علي” المماليك في مصر طمع في توسيع ملكه فجهز إلى سورية جيشاً بقيادة ابنه إبراهيم باشا ففتح العريش وغزة والرملة، ونزل يافا بحراً، ثم فتحت نابلس والقدس وحوصرت عكا (1831م) التي فتحت بعد احتلال دمشق.
حكم إبراهيم باشا فلسطين عشر سنوات مملوءة بالشدة والبطش وفرض الضرائب ا لجديدة والتجنيد الإجباري؛ مما أدى إلى قيام ثورات في نابلس والخليل امتدت إلى لبنان وشرقي الأردن، فاشتغل في قمعها حتى استعادت الدولة العثمانية فلسطين.
وفي السنوات الأخيرة من العهد العثماني كانت فلسطين، من الناحية الإدارية تقع في قسمين إداريين، الأول هومتصرفية القدس المستقلة المرتبطة بوزارة الداخلية في إستانبول، وكانت أقضية بئر السبع والخليل وغزة ويافا تابعة لها بالإضافة إلى بيت لحم وأريحا، أما شمال فلسطين فكان يتبع لواءين : لواء نابلس ومن أعماله طولكرم وجنين وطوباس وبيسان، ولواء عكا ومن أعماله صفد وطبرية والناصرة وحيفا. أما من الناحية العسكرية فقد كانت فلسطين جزءاً من القيادة العسكرية العامة لسوريا.
وكان سكان فلسطين يتكونون من نحو95% من العرب ونحو1% من الجاليات الأجنبية ونحو4% من اليهود.
الانتداب البريطاني
بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى تم إعادة رسم خريطة المنطقة العربية وتوزيعها بين بريطانيا وفرنسا وفقاً لما عرف باتفاقية سايكس بيكو، وخضعت فلسطين تحت الاحتلال البريطاني في الوقت الذي أخذت فيه معدلات الهجرة اليهودية تتزايد بدعم وتأييد من دولة الاحتلال والدول الأوروبية الكبرى والولايات المتحدة، وأمام السياسة التوسعية الاستيطانية الصهيونية الهمجية، وتمزق وتخاذل الموقف العربي أعلن الصهاينة إقامة دولة (إسرائيل) على أرض فلسطين في اليوم نفسه الذي أعلنت فيه بريطانيا انتهاء احتلالها على فلسطين وذلك في 1948/5/14م بعد أن حرمت أهلها من إنشاء كيانهم المستقل عليها لدواع اقتصادية وسياسية مستقبلية، وأفسحت المجال لمستوطنين غرباء جاؤوا يحملون مع بطشهم ودمويتهم مزاعم تاريخية لا تقبلها قوانين دولية ولا تعاليم سماوية ولا أعراف إنسانية.
—
(ü) أهم المراجع : – أكرم زعيتر، “القضية الفلسطينية”. – بيان نويهض، “فلسطين : القضية، الأرض”. – دائرة الدراسات الفلسطينية، “القضية الفلسطينية والخطر الصهيوني”. – عبد الله ا لعروي، “التاريخ مفاهيم وأصول” ج 2. – مصطفى الدباغ، “بلادنا فلسطين” ج1. – “الموسوعة الفلسطينية” ج3. -الهيئة العامة العصرية للاستعلامات، ملف وثائق فلسطين.
> مجلة قضايا دولية عدد 261 بتصرف