عن أنس بن مالك ] قال : قال رسول الله : >انْصُر أخاك ظالما أو مظلوما، فقال رجل، يا رسول الله : أنْصُره إذا كا ن مظلوما، أفرأيت إن كان ظالما كيف أنصُرُه؟ قال : تحْجزُه أو تمْنعه عن الظلم، فإن ذلك نصْرُه<(رواه البخاري ومسلم).
مـــدخــــل:
تكون الأخوة في النسب والدين والوطن، والصفات والمبادئ والمعاملات، ولكن أوثقها رابطة، وأحكمها عقداً وأثبتها مودة هي الأخوة في الدين التي لا تنفصم عراها، ولا تغيرها الأحداث والطوارئ، ولا تختص بقوم دون آخرين، ولا بزمان دون زمان.
والأخوة الإيمانية هي الرابطة القوية والصلة المتينة التي تربط المسلم بأخيه المسلم مهما كان جنسه أو لونه أو لغته.ومن مظاهر هذه الأخوة الإيمانية أن يجعل المسلمُ همّه نصرة أخيه والوقوف بجانبه وأن يكون له عونا وسنداً ومدَداً مصداقا لقوله : >انصر أخاك ظالما أو مظلوماً..<.
شــرح الـمـفـردات :
انْصُر : فعل أمرٍ من نصَرَ الرجُل أخاه، أي : أعانَه على دفعِ عدُوٍ وإبعاد ضرره، وردِّ خطره.
ظالما أو مظلوما : مِن فعل ظَلَمَه أي : جار عليه، واعتدى عليه، فالجائر ظالم والمعتدى عليه مظلوم.
الـمعـنـى الإجــمالي :
يوجهنا رسول الله في هذا الحديث إلى نصرة المظلوم حتى يأخذ بحقه، والأخذِ على يدِ الظالم حتى يكُفَّ عن جِنايته.
الـمـعـانى الـتـفـصـيـلـيـة :
1- نصرة المسلمين لإخوانهم مظهر من مظاهر الأخوة الإيمانية المنصوص عليها في قوله تعالى : {إنما المومنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون}(الحجرات : 10).
2- نصرة المظلوم معناه : أن تقف بجانبه لاسترجاع حقه الضائع، وتعينه على مقاومة العدو الجائر. قال تعالى : {فإن بَغَت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله…}(الحجرات : 9).
3- نصرة الظالم معناه : أن تمْنعه عن الظلم، حتى لا يأخذ حق غيره بالباطل أو يلحق به خطراً أو ضرراً فيصبح ظالما.
مــستـفــادات :
1- النصرة بين المؤمنين من شروط الإسلام ومستلزمات الإيمان.
2- النصرة بين المسلمين تحدث تماسكا قويا بينهم، قال : >المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً<(رواه البخاري).
3- النصرة بين المسلمين تثمر علاقة ودّ وصفاء ومحبة بين أفراد الأمة قوامها التعاون والتراحم والتكافل والتكامل والتناصر. قال : >مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى<.(رواه البخاري ومسلم)
4- النصرة بين المسلمين تدفع عنهم العداوة والبغضاء، مصداقا لقوله : >لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم الله<(أخرجه مسلم).
5- النصرة بين المسلمين تهوِّن كل عسير وتُتَمِّمُ كل مراد، وفي المثل : (ما تعاونت عليه الرجال خَفَّ ومن ضعُفَ نصيره، وقلَّ ظهيره وإخوانه، وأسلمه للناس خلانه وأعوانه، يبس عوده، وذهب معدوده ومحدوده، وعضه الدهر بنَابِه).
6- النصرة بين المسلمين توَحِّد الأمة وتكْسِبُها قوة وعزة ونخوة.
7- الظلم أضراره وخيمه وعاقبته سيئة، لذلك حرمه الله تعالى وتوعَْد الظالم بالنار وخراب الدار، قال تعالى : {إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها، وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه، بيس الشراب وساءت مرتفقا}(الكهف : 29) وقال تعالى : {يُدْخِل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذاباً أليما}(الإنسان : 31) وقال تعالى : {ألا لعنة الله على الظالمين}(هود : 18) وفي الحديث القدسي : >يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا<، وقال : >كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه<، وقال : >المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلِمُه<(رواه البخاري ومسلم).
8- الظلم أنواع مختلفة و درجات متفاوتة، فالشرك بالله أخبث أنواع الظلم، قال تعالى على لسان لقمان عليه السلام : {يا بُنَيّ لاتشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم}.
وأخذ حقوق الناس والاستيلاء عليها تعدِّياً وقهراً، والغصب والسرقة والاختلاس والربا وتطفيف المكيال والميزان، وخيانة الوديع والأجير من الظلم الذي لا يُغتفر ولو صلى صاحبه وتصدق وصام وتاب واستغفر إلا أن يرُدَّ المظالم إلى أهلها أو يطلب الصفح والعفو والسماح من المظلوم.
ومن الظلم أن يتخلى المسلم عن أخيه في الضيق والشدة أو يُسلمه إلى العدو ليفتك به ويبطش به، أو يعينه على تحقيق أغراضه فيه مما يحدث في الأمة تمزقا وتشتتا، وضعفا وذلا وهوانا، وهزيمة وانحطاطا.