ذ. محمد ابن شقرون
مما يمكن أن يفهم أو يستفاد من هجرة النبي وأصحابه البررة، رضي الله عنهم أجمعين، ما يلي :
1- إن ما يعانيه الداعية من أجل تبليغ رسالة ربه، فهو إنما يقتدي في ذلك بما لاقاه . صحابتُه الكرام من الأذى ولكنهم صبروا {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}(آل عمران : 200).
2- إذا كان المؤمنون مأمورين بالصبر والاحتساب على الله جل شأنه فمن باب أولى الدعاة الذين يبلغون شرع ربهم، فهؤلاء هم عمدة الدين الإسلامي العظيم، الذي ما يزال وسيبقى عظيما إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين.
3- لقد قاسى الأمرين من أجل بناء صرح الدين الإسلامي الخالد، وحتى نعيش نحن المسلمين، إسلاما صافيا في سلام وسعادة.
روى البخاري ومسلم عن عائشة، رضي الله عنهما، قالت لرسول الله : يا رسول الله، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال : >لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال : إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت، قال فناداني ملك الجبال وسلم علي ثم قال : يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ، فقال رسول الله ،بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا<. فالحديث يدل من جهة -على شدة المعاناة في سبيل تبليغ الدين- ومن جهة أخرى يدل على صفاء قلب الداعية الذي لا يحمل حقداً لأحد، ولا حبا لانتقام، وهكذا ينبغي أن تكون قلوب الدعاة.
4- لابد أن يوجد، في كل زمان وعصر، قادة للدعوة الإسلامية، ينهجون نهج رسول الله وصحابته الكرام البررة، ويخلفونه في المحافظة على دين الله ونشره خاصة بين أهل الكفر والضلال.
5- إن الله سبحانه يجعل لكل ضيق مخرجا ولكل عسر يسرا، وما أن يولد العسر حتى يكون في أعقابه اليسر. وهذا السر في سؤال زيد بن حارثة؛ لما رجع مع رسول الله من الطائف، فقال : كيف تعود يا رسول الله إلى مكة وهم أخرجوك؟ فأجابه باطمئنان كامل : >يا زيد إن الله جاعل لما ترى فرجا ومخرجا، وإن الله ناصر دينه ومظهر نبيه<.
6- المؤمنون إخوة، والأخوة في الدين أقوى وأشد من الأخوة في النسب، قال جل جلاله : {إنما المومنون إخوة…}(الحجرات : 10) لذلك نجد أول عمل قام به وهو في المدينة أن آخى بين الأنصار و المهاجرين، فكان في ذلك ا لخير الكثير، ومن ثمة وجب نصرة ا لمسلمين بعضهم لبعض وإن اختلفوا في البلدان والديار.