ماذا دهى المسلمين حتى صاروا إلى هذه الحال من الذل والهوان، يتلقون الصفعات واللكمات، من أخبث خلق الله وأشدهم عداوة للمؤمنين، إنه لأمر محير، يدع الحليم حيران، أمة جعلت لتسود وتقود، فإذا بها تساد وتنقاد، وجعلت لتعلو وتسمو، فإذا بها تسام الخسف والهوان، لقد عايش العرب والمسلمون، أنظمة وشعوبا، علو اليهود وصولتهم وفسادهم، وتجرعوا ويلاتهم منذ ما يزيد على نصف قرن، أي منذ دخول وعد بلفور المشؤوم في حيز التطبيق، وكان ذلك جزاء وفاقا لتفشي داء الخيانة في صف الأمة، واكتساح جرثومة الوهن لسائر أجهزة ومفاصل جسدها، ومرد ذلك كله إلى ضعف رصيد الإيمان، واختلال الميزان وتفريطها في منهج السير الذي يضمن وصول السفينة إلى بر الأمان.
ها هم اليهود الصهاينة الملاعين يمارسون علوهم السافر، وقد عقدوا العزم على تدمير الفلسطينيين وإبادتهم تحت ذريعة تحرير الجندي المجرم شاليت المأسور في قبضة الأشاوس الأبطال الذين عقدوا الصفقة الرابحة مع الله عز وجل.، كما حصل في السابق، وتحت ذريعة إسكات صواريخ حماس، طبقا للخطاب الصهيوني الحالي. لقد انطلق الصهاينة، اليهود قتلة الأنبياء، في هجمة مسعورة تأتي على الأخضر واليابس، بصورة غاية في البطش والهمجية، وقد ركبوا في ذلك كل ما وقع تحت أيديهم من أسلحة وعتاد وآلات ودمار، مما صنعته أيديهم أو أمدهم به إخوانهم في الكفر والطغيان وخاصة من العلوج الأمريكان الذي يجاهر زعيمهم الأخرق بأن ما يمارسونه من عدوان، مشروع ومباح، لأنه لا يعدو أن يكون دفاعا عن النفس، وهو موقف في غاية السفه وغاية الاستهتار من قوم لقطاء يعيشون على ما يمتصونه وينهبونه من خيرات الشعوب، ومع ذلك فهم يزعمون لأنفسهم أهلية قيادة البشر، وهم من هم في دركات الإفساد والشر، ويعلنون أنفسهم حماة، لقيم الحق والعدالة والسلام، باسم الديمقراطية، ويسعون إلى تجفيف منابع الخير والصلاح، بقتل دعاة الكرامة والدفاع عن حرية الإنسان وحرية الشعوب في أن تعيش وفق مواريثها وما تؤمن به من مبادئ وقيم ومعتقدات، يفعلون كل ذلك باسم حرب أعطوها صفة القداسة، الحرب على الإرهاب.
غير أن هؤلاء قد جاؤوا على أصلهم، فالكفر ملة واحدة. يقول الله سبحانه وتعالى: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الارض وفساد كبير}.
ولكن الذي يفجر الغيض ويثير الاستهجان، ولا أقول الاستغراب، هو أن يتخذ بنو جلدة أهل فلسطين، مطية لاختراق حماهم وزعزعة صفهم وكسر شوكتهم، إنهم بنو جلدتهم على مستوى الشكل لا المضمون، فأهل فلسطين الذين حملوها ويحملونها في كيانهم أمانة غالية وفي قلوبهم شعلة حق لا يخبو لها أوار، لم يكونوا أهلا لهذه الصفة ولم ينالوا هذا الشرف الكبير، إلا لكونهم أهل إيمان ويقين، يقدرهم على الثبات في وجه الأعاصير والأنواء، ويضمن لهم الغلبة والنصر ولو بعد حين.
لقد ظلت قضية فلسطين تتأرجح في أروقة أعداء فلسطين، وتدوسها أقدام المزورين الخونة واللصوص والأفاكين، نتيجة لعوامل نكدة، يسجلها التاريخ وتعيها ذاكرة الشعوب، ولكن عوامل السعي الصادق والجهاد الموصول والتضحيات المريرة، بدأت تمهد الأجواء لافتكاك القضية المقدسة من أيدي من سعوا إلى تدنيسها وتقزيمها، وجعلها غرضا رخيصا لتجارة مغشوشة خاسرة.
وهكذا رأى الناس في وضح النهار، التفاف شعب فلسطين، حول الثلة الصادقة، ممن يؤمنون بحق شعب فلسطين في كل شبر من أرض فلسطين، فئة الذين يحملون أرواحهم على أكفهم ويلقون بها في سوح الشرف، يرجون وجه الله ويتربصون بأعداء الله إحدى الحسنيين {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}.
ولكن هذا المشهد النوعي الجديد في حياة الصراع والتدافع على امتلاك زمام أمر فلسطين، بين من باعوا شرفها في دهاليز الخيانة، وبين من حفظوا العهد وصانوا الأمانة، هذا المشهد الجديد، راع اليهود وعملاءهم الأقزام، فراحوا ينقضون كل شيء، حتى العهود المجحفة الظالمة والاتفاقيات المغشوشة الباطلة، راح الصهاينة ينفثون أحقادهم السوداء من خلال ما يسلطونه من ظلم وعدوان على إخواننا في أرض الرباط، الذين ظلوا يستغيثون ويستغيثون، ولكن أمة الإسلام من أقصاها إلى أقصاها مكبلة بالصمت، إلا من أنات مكتومة وأصوات مبحوحة، هنا وهناك، أما النصرة الواجبة التي تفرضها أخوة الدين وتجند فيها جميع الطاقات، فذلك ما لم يقع ويا للأسف الشديد، لقد شذ عن مشهد الصمت حزب الله في لبنان، بصنيعهم الجميل،في حرب يوليو 2006 عندما خففوا وطأة الضغط والحصار عن إخوانهم في فلسطين بعمليتهم البطولية التي أربكت قادة العدو الصهيوني، وفتتت جهدهم وطاقاتهم، بين جبهتين، فما أجمل أن يرى المسلمون دماء الصهاينة تسيل وأطرافهم تمزق، في مقابل الدماء الزكية المدرارة التي تروي أرض الإسراء والمعراج، ومهد النبوات وموئل الصالحين، إن واجب النصرة المقدس يحتم عليهم اليوم أيضا أن يهبوا لنجدة إخوانهم من خلال إشعال جبهة الشمال. لقد تخم الأعداء من رؤية مشاهد القتل والتعذيب والتنكيل التي نالت المسلمين في فلسطين، والعراق، وغيرهما، ونحن نتساءل بملء أفواهنا، قائلين: ألم يأن للمسلمين أن يثأروا لدمائهم وأرواحهم التي ذهبت ضحية الغدر، وفداء للدين والوطن؟
أين جيوش العرب والمسلمين؟ أم أن وظيفتها هي أبعد ما تكون عن مقارعة الأعداء، ونصرة الأشقاء؟
أين منظمة جامعة الدول العربية؟ وأين منظمة المؤتمر الإسلامي؟ أم أنهما لا يعدوان أن يكونا للزينة والديكور؟ أين نخوة العرب وعزة المسلمين؟
صمت مريب، وخذلان غريب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
بدلا من أن تتداعى أعضاء جسد المسلمين بالسهر والحمى، انطلقت بعض الأصوات بالتشفي ممن سقطوا في فلسطين ولبنان، تحت رصاص اليهود الصهاينة، مسؤول عربي “رفيع المستوى” قال بدون أدنى حياء معلقا على مجزرة اقترفت في حق إخواننا في غزة في السنة الماضية: “إن الذين تحملوا الأخطاء عليهم أن يتحملوا نتائج أخطائهم”.
فحماية المقدسات والدفاع عن كرامة الأوطان أضحت في عرف المرضى أخطاء، لأنها تزعج أصحاب الشهوات، وتعكر عليهم صفو لذاتهم الآثمة.
لا بد من قومة عارمة تزلزل الأرض تحت أقدام المجرمين ،لا بد لبركان الغضب أن ينشط من عقال لا بد من نهضة تحرك الجمود وتحيي الموات.