قال تعالى : {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضواناً، وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون}(الحشر : 8).
1- مفهوم الهجرة مــن اللغة والــواقــع :
يبدو أن معنى الهجرة لغة لا ينبغي أن نقف عنده كثيرا لأجل شرحه وتوضيح معناه، لأن معايشة أنواع كثيرة من الهجرة في هذا العصر فعلا، يغني عن البحث عنه في المعاجم اللغوية، فالمفهوم يدركه البسطاء أكثر من المثقفين والأغنياء إلى الدرجة التي فرضوا فيها مصطلحهم على الجميع، “لحريگ” فصار الكل يفهمه دون أدنى غبش. هذا على مستوى القول أمّا ما يشاهد ويرى فقد تجد مدنا بكاملها محاطة بأحزمة من الأبنية العشوائية لسكان البوادي الذين هاجروا إليها، وثمة دول كثيرة تعرف خصاصا في الأطر العلمية المتخصصة في هذا المجال أو ذاك، لأن أبناءها هاجروها إلى بلدان أخرى أغنى منها، وهناك طاقات شابة من ذوي السواعد القوية يهاجرون بلدانهم الفقيرة إلى دول غنية للبحث عن لقمة العيش، كل هذا وغيره مما نحن في غنى عنه ذكره وذكر أسبابه يغني عن الشرح اللغوي لمفهوم الهجرة. لذا سنقف وقفة قصيرة فقط عند بعض الدلالات اللغوية لتوضيح قدم هذا المفهوم، أو تطور دلالته بين الجانب المعنوي المدرك بالعقل فقط، والجانب الحسي المشاهد، أو تنويع دلالته، ونبسط القول في هذه المعاني المشـار إليها كما يلي :
أ- قدم المفهوم : يقول ابن منظور : >قال الأزهري : واصل الهجرة عند العربي : خروج البدوي من باديته، إلى المدن… وكذلك كل مُخْلٍ بمسكنه منتقل إلى قوم آخرين بسكناه فقد هاجر قومه<(ل ع 251/5).
ب- تطور دلالته : يبدو أن إدراك المحسوس أقرب إلى الإنسان من إدراك المعقول، وهذا ينطبق على هذا المفهوم الذي نحن بصدده، فالهجرة لغة : الخروج من أرض إلى أرض وهذه دلالة حسية. ويقال : هجر فلان الشرك هجراً وهذه دلالة معنوية(ل ع 251/5 بتصرف).
حـ- تنويع دلالته : يقول ابن منظور : >يقال هجرت الشيء هجراً إذا تركته وأغفلته<(ل ع 251/5).
مما ينبغي أن يتنبه إليه في هذا التعريف اللغوي البسيط لمعنى الهجرة : كلمة (الغفلة) لأنها تعني أن الهجرة يمكن أن تكون حسية وذلك إذا كان الأمر يقتضي مغادرة مكان مّا لأسباب مّا : كما هو واضح في الشطر الأول من هذا التعريف >إذا تركته<، ويمكن أن تكون الهجرة معنوية – ولعل هذا أهم في حياة الإنسان- كما تدل على ذلك كلمة (الغفلة) في التعريف، ذلك أن العاقل إذا أهمل ما لا ينبغي أن يهمل في حياته ومسؤوليته فقد تركه وغادره معنويا، وقد يكون هذا الترك المعنوي لما لا ينبغي أن يترك من الأمور الواجب تعهدها في مجال مّا بالشكل المطلوب في فترة زمنية معينة هو السبب الأساس في إحداث الترك الحسي (أي الهجرة) الذي يتمثل في أي نوع من أنواع الهجرة المشار إليها سابقا وغيرها.
هكذا تتظافر الدلالات اللغوية وما يعيشه الناس في الواقع على أن الهجرة هي الخروج من مكان مألوف من المفروض أن يسكن فيه صاحبه إلى مكان آخر مجهول يلتمس فيه العيش الأفضل لأسباب قاهرة قال تعالى : {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله..}(الحج : 38).
هذا من حيث الدلالة اللغوية، أمّا من حيث الاصطلاح، فإن الهجرة في السياق الذي نحن بصدده أي الهجرة المحمدية تعني حدثا تاريخيا عظيما، لأنها تدل على الفصل بين عهدين : عهد كان الإنسان المعنى بهذه الهجرة يتلقى التوجيهات المتعلقة بسير حياته من الإنسان، أو ما يقوم مقامهُ من مظاهر الطبيعة كالحيوانات والأصنام، وعهد يتلقى تلك التوجيهات من خالق الكون : نور السماوات والأرض، الذي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، الرحمن الرحيم، خالق كل شيء، وفالق الحب والنوى، إلى غير ذلك من صفات الحق سبحانه التي وضعت لغة لتقرب تصور لله من الإنسان القصير النظر المحدود الفهم، الذي لا يومن إلا بما يحيط به من المحسوسات قال تعالى : {وعد الله لا يخلف الله وعده، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون}(الروم : 6).
2- الهجرة في الإسلام : الحدث المتفرد :
ذلكم هو الله الذي آمنت به ثلة من الناس بعد أن دعاهم الرسول الكريم محمد بن عبد الله لذلك، آمنت تك المجموعة القليلة من العرب بالله في محيط يعج بالمفاهيم والأفكار المخالفة لما جاء به لهداية الناس للتي هي أقوم من سبل العيش والتعايش في الدنيا، وإسعادهم في الآخرة التي لا يعلمون عنها شيئا سوى أنهم ذاهبون إليها لا محالة لأنهم منشغلون بما يعلمون من ظاهر الحياة الدنيا، هذا الإيمان القوي هو الذي جعل أولئك المستضعفين يضحون بكل بشيء مقابل محافظتهم على إيمانهم بالله رب العالمين، قال تعالى : {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون}(الحشر : 8) فهؤلاء كما وصفهم الحق سبحانه فقراء أولا. ومفرد هذا الجمع هو الفقير. ومعناه الأصلي في اللغة : مكسور الفِقَار التي هي عظام العمود الفقري في ظهر الإنسان، أما الإسم من هذه المادة (فَقَرَ) فهو الفقْرُ : وهو العوَزُ والحاجة (م ج الوسيط 2) وهذا يعني أن هؤلاء المعتدى عليهم لا حول لهم ولا قوة. ومع ذلك فهم مهاجرون، والهجرة كما سبق هي مغادرة مكان مألوف إلى آخر مجهول لأسباب قاهرة، وهذه الأسباب هنا هي تسلط قوى البغي عليهم ظلما وعدوانا، وهو ما يفيده فعل (أخرجوا) في الآية، وأخرج على وزن (أفعل) ومن معانيها التصيير، وهذا يعني أن هؤلاء الفقراء أُحْوِجُوا للاخراج لا أنهم خرجوا بمحض إرادتهم. أما ما أخرجوا منه فهو أعز ما يملكه الإنسان ويوفر له أسباب الهناء والاستقرار، والعيش الكريم إنه (ديارهم) التي يسكنونها، وأموالهم التي يرتزقون منها، ومع ذلك فكل ذلك لا قيمة له عندهم أمام الهدف الأسمى والقصد النبيل إنه ابتغاء مرضاة الله ورضوانه ونصرة الله ورسوله، ويأتي هذا القصد المستهدف بصيغة المضارع (يبتغون) الذي يفيد الاستمرار وتلك هي نتيجة الإيمان الصادق، وكيف لا وقد وصفهم الحق سبحانه بذلك {أولئك هم الصادقون} وفي وصف هؤلاء المهاجرين يقول ابن منظور : >وسُمي المهاجرون مهاجرين لأنهم تركوا ديارهم ومساكنهم التي نشؤوا بها لله، ولحقوا بدار ليس لهم بها أهل ولا مال حين هاجروا إلى المدينة.. قال الله عز وجل : {ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الارض مراغما كثيرا وسعة}<(ل ع 251/5)، وقال سبحانه {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم}(البقرة : 228).
3- الهـجرة في الإسلام : الحدث الإنساني النبيل :
قبل أن نبرز الروح الاخلاقية النبيلة التي يتحلى بها أولئك المهاجرون نذكر مرحلتي هذا الحدث التاريخي باختصار، يقول الكفوي >والهجرتان : أولاهما هجرة المسلمين في صدر الإسلام إلى الحبشة فراراً من أذى قريش، وثانيهما : هجرة رسول الله والمسلمين قبله وبعده ومعه إلى المدينة فقد كانت الهجرة من فرائض الإسلام بعد هجرة النبي ثم نسخت بعد فتح مكة لقوله : >لا هجرة بعد الفتح< فلا دليل في قوله تعالى : {ألم تكن أرض الله واسعة}(النساء : 97) على وجوب الهجرة من موضع لا يتمكن الرجل فيه من إقامة دينه<(الكليات 962).
تعتبر هذه اللقطة التاريخية الموجزة وما ذكر قبلها من الآيات نصوصا تستوجب التوقف عندها لإبراز نبل الحدث لا على مستوى التحول التاريخي المرتبط بتلك الفترة، ولكن على مستوى مضمون الهدف الذي سيتحول بعد استنفاذ مهمته المرحلية إلى سلوك أخلاقي صالح لمعالجة كثير من مشاكل الانسان في الحياة، وحتى تكتمل صورة هذا الفهم الذي نشير إليه نضيف قوله تعالى : {إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض}(الأنفال : 72).
لقد كانت الهجرة في سبيل الله كما هو واضح في الآية السابقة رقم 228 من سورة البقرة {هاجروا وجاهدوا في سبيل الله} و{يرجون رحمة الله}.
قد يتفق المهاجرون كيف ما كانوا في أسباب الهجرة بنسبة مّا على اعتبار أنّهم جميعاً قد تعرضوا للأذى والظلم مهما كان نوع الهجرة كالهجرة من البوادي إلى المدن، أو هجرة الفقراء والعاطلين للبحث عن لقمة العيش، أو هجرة العقول الممتازة للبحث عن العمل الأنسب، أو هجرة السياسيين لعدم توفر ظروف حرية التعبير عن الرأي..الخ لكن عندما نتأمل الأسباب التي جعلت هذا النوع أو ذاك من المظلومين يهاجرون، ونتأمل الهدف الذي يسعى إليه كل نوع من المهاجرين، عندما نتأمل هذين الأمرين ندرك الفرق بين هجرة وهجرة، فهجرة السياسيين مثلا غير هجرة الباحثين عن الشغل…الخ وعليه فالهجرة في الله غير هجرة هذين النوعين وغيرهما. لأن المهاجرين في الله >يرجون رحمة الله< وهم بذلك يسعون إلى الكسب الأكبر الذي هو رضى الله تعالى. لذا قال عنهم الحق سبحانه الذي هاجروا فيه ويطلبون رضاه {الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله أولئك هم الفائزون يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبداً، إن الله عنده أجر عظيم}(التوبة : 24). تتضمن الآية الكريمة ثلاث صفات لهؤلاء المهاجرين، لا تتوفر في أي نوع آخر من المهاجرين مجتمعة وهذه الصفات هي : الإيمان والهجرة، والجهاد، وهي مرتبة ترتيبا منطقيا بحيث يترتب بعضها عن بعض بالضرورة، ولا أثر لحرف العطف هنا في الترتيب، لأن كل كلمة تحمل من السمات ما يجعلها تتقدم على التي بعدها، فالإيمان أولا، وهو الأساس، والهجرة التي هي ترك ما يشغل عن الإيمان الحق ثانيا، ثم الجهاد ثالثا، لأن النفس المؤمنة تسترخص كل شيء في سبيل الله، ولذا جاء القصد النبيل بعد هذه الصفات الثلاث (في سبل الله).
وتتظافر معاني بقية الكلمات في هذه الآية كـ(أعظم درجة) و(النور) و(البشارة) و(الرضوان) و(النعيم المقيم) تتظافر معاني هذه الكلمات لتوضح لنا أن هذا النوع من الهجرة حدث إنساني نبيل لا يوازيه أي نوع من أنواع الهجرة، لأنه مفهوم ثابت رغم مضي الحدث التاريخي الذي أدى مهمته في فترة زمنية معينة من حياة المسلمين، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله >لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا<(صحيح البخاري 497/2).
يستفاد من هذا الحديث أن الهجرة باعتبارها حدثا تاريخيا قد أدت مهمتها وانتهت. ولكن باعتبار المقصود منها الذي هو رضى الله فإنها تعتبر أسلوبا تربويا في حياة المسلمين باستمرار .
4- الهجرة في الإسلام أسلوب تربوي لعلاج بعض الأمراض الاجتماعية :
أ- في مجال ما حرم الله : عن ابن عباس رضي الله عنهما عــن النبي قال : >المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هاجر ما نهى الله عنه<(صحيح البخاري 14/1).
وما نهى الله عنه يمثل خمسين في المائة من أوامر الحق سبحانه، بل هو الجانب الأقوى الذي لا رخصة فيه عكس ما أمر به المشروط بالاستطاعة مصداقا لقوله : >ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وماأمرتكم به فاتوا منه ما استطعتم<(رواه البخاري ومسلم).
وفي سياق الأمر والنهي يقول الحق سبحانه : {إن الله يامر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون}.
وعليه يعتبر مفهوم الهجرة المفصول عن الحدث التاريخي زمانا المتضمن لروح هذا الحدث أخلاقا ميزانا للفصل بين ما هو قبيح وما هو حسن من السلوك الانساني. فمهاجرة ما نهى الله عنه كما جاء في الحديث بكلمة (ما) التي تفيد العموم هو الفحشاء، والمنكر والبغي، وهذه كلمات ذات دلالات عامة تغطي ساحة الجانب السلبي من سلوك الانسان لا لتنوعها الثلاثي (فحشاء) (منكر) (بغي) فحسب ولكن باستغراق كل نوع من هذه الأنواع الثلاثة لافراد جنسه لأنه متصل بحرف (ال) الذي يجعله يفيد هذا العموم. فالعموم هنا عموم نوعي، وعموم جنسي، وهذا ما يجعل كل مسلم لم يحضر ذلك الحدث التاريخي العظيم أي الهجرة، ويرغب في أن ينال من فضله كما جاء في سورة التوبة 24 يطمئن على أنه منتسب لهذه الفئة من المحظوظين عند الله مصداقا لقوله : >ولكن جهاد ونية< وقوله : >والمهاجر من هاجر ما نهى الله عنه< شريطة أن يهاجر ما نهى الله عنه بالشكل المشار إليه أعلاه في الآية والحديث على حد سواء.
وفي سياق اعتبار مفهوم الهجرة قيمة أخلاقية دائمة بين المسلمين يجمع ابن منظور بين حديثين في هذا المعنى حيث يقول >وفي الحديث لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية. وفي حديث آخر : >لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة<، قال ابن الأثير الهجرة في الأصل : الاسم من الهَجْر : ضد الوصل<(ل ع 251/5- 252).
ومما ينبغي أن نقف عنده ونطيل النظر فيه مما أورده ابن منظور هنا هو كلمتا (التوبة) في الحديث و(الهجر : ضد الوصل) في كلامه، وهذا يعني أن لمفهوم الهجرة أبعاد ودلالات في تقويم السلوك الإنساني.
ب- في مجال العلاقات الانسانية بين المسلمين :
يقول ابن منظور : >.. وفي الحديث لا هجرة بعد ثلاث< يقول معلقا على هذا الحديث : >يريد (أي ابن منظور) به الهَجْر ضد الوصل، (و) يعني فيما يكون بين المسلمين من عتب وموجدة أو تقصير يقع في حقوق العشيرة، والصحبة دون ما كان من ذلك في جانب الدين. فإن هجرة أهل الأهواء والبدع دائمة على مر الأوقات ما لم تظهر منهم التوبة، والرجوع إلى الحق، فإنه عليه الصلاة والسلام لما خاف على كعب ابن مالك وأصحابه النفاق حين تخلفوا عن غزوة تبوك أمر بهجرانهم خمسين يوما، وقد هجر نساء شهرا، وهجرت عائشة ابن الزبير مدة..<(ل ع 250/5).
حـ- في مجال العبادة :
يقول ابن منظور ما كان في الحديث : >ومن الناس من لا يذكر الله إلا مهاجراً<.
ويعلق ابن منظور على هذا الحديث بقوله : يريد أن القلب وترك الاخلاص في الذكر، وكأن قلبه مهاجراً لسانه، غير مواصل له. ويضيف ابن منظور : ومنه حديث أبي الدرداء ] : >لا يسمعون القرآن إلا هجرا< يريد الترك له والاعراض عنه. (ل ع 251/5).
هكذا نعتبر الهجرة في الاسلام حدثاً تاريخيا هاما متفرداً، وهكذا يمضي الحدث وتبقى معانيه صالحة للاستعمال في مجالات شتى من حياة المسلم والسؤال إلى أي حد توظف الأمة الاسلامية مفهوم هذا الحدث لعلاج أزماتها ومشاكلها : كهجر بعض الدول الاسلامية لبعضها اقتصاديا وسياسيا، وهل هاجر مسلموا اليوم ما نهى الله عنه في مجالات الحياة اليومية من فحشاء، ومنكر وبغي، وهل يستلهمون من المفاهيم الاسلامية أساليب تربيتهم الاجتماعية والأخلاقية على غرار ما رأينا أن مفهوم الهجرة يمكن اعتماده روحا تربوية للاقلاع عن تناول المحرمات، أو لربط العلاقات الاجتماعية بين المسلمين، أو اخلاصهم في العبادة لله رب العالمين. هل يمكن اعتبار الدول الاسلامية وما فيها من تنظيمات سياسية واجتماعية موحدة فعلا وهي غير مها جرة لما نهى الله عنه. وهل ينتظر منها أي من هذه الشعوب وتنظيماتها أن تؤلف وحدة منقذة للأمة مما هي فيه من ترد وانحطاط مع العلم أن ولاءاتها موزعة على شتى الايديولوجيات والقبلات. وفي هذا السياق عشنا ونعيش تخاذل الاخوة أو تقاتلهم وهم في الهم والغم سواء، لقد جعل الحق سبحانه الهجرة التي نستلهم روحها معيارا للولاء، قال سبحانه {والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا}(الأنفال : 72). وقـــال عز من قائل : {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المومنين والمهاجرين}(الأحزاب : 6) ألا يمكن القول بأن الأمة عاشت منذ زمان، وتعيش اليوم أيضا الهجرة بنوعيها السلبيين الحسي والمعنوي في كثير من مظاهر الحياة بل ومقوماتها الحضارية أيضا. وحتى يتم التكفير عمامضى (من الموروث السلبي) وتقويم اعوجاج ما هو حاضر ماديا ومعنويا، والتخطيط بحزم وعزم لما هو آت، ينبغي أن نهاجر ما نهى الله عنه من فحشاء ومنكر، وبغي، في كل مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، و هو أمر ممكن وميسور بشرط توفر صفات المهاجرين في مكونات المجتمع : الإيمان، والهجرة والجهاد في سبيل الله {إن أريد إلا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله} .