لعل المتأمل في الأحداث التي تناسلت منذ النصف الثاني من القرن العشرين حتى اليوم -من إخفاق للنظريات الفكرية والفلسفية والاقتصادية التي حاولت إعطاء إجابات عن الأسئلة الكبرى التي طرحت نفسها على العقل البشري، من قبيل بدء الخلق، ووجود الخالق، والمنهج الذي يصلح لتنظيم سير الإنسان، ويوازن بين حاجاته الروحية والمادية- يرى تحقق وعد الله عز وجل بإظهار دينه، قال سبحانه {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدّين كله}(التوبة : 33) والظهور كما قال أهل العلم هو عودة البشرية إلى التحاكم إلى الإسلام والقبول بحلوله وإجاباته عن المعضلات النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بعد أن طرقت أبواب النظم والمناهج الأرضية، فلم تزدها إلا شقاء وبؤسا. إن الناس إذا جاء الليل منهم من يستضيء بشمعة، ومنهم من يشتضيء بسراج، ومنهم من يستضيء بمصباح.. فإذا تنفس الصبح، وأشرقت الشمس أطفأ كل واحد ما كان يستضيء به، لأنه لم يعد بحاجة إليه بعد أن جاء ضوء النهار وانبلج الصبح، فكذلك إذا جاء شرع لله جل وعلا، ما على البشرية إلا أن تنحي تشريعاتها ونظمها، وقد قيل (إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل).
يبقى السؤال : ما هو دور المسلم اليوم؟! إنه دور التاجر الحاذق الذي يحسن عرض بضاعته، ويقنع الزبائن باقتنائها ويبين مزاياها، كل ذلك بأسلوب فيه حكمة ولين ولطف، ولكن كيف تقنع غيرك بجدوى بضاعة أنت زاهد فيها؟! وأنّى يصدق الآخر أن خلاصك في دينك، وهو يرى إعراضك عنه؟ ويرى إقصاءك له من شتى مناحي الحياة، وجعله حبيس المساجد والزوايا!!
إنه لا يحق لمسلم أن يشك طرفة عين في أحقية المشروع الإسلامي باستلام مركز القيادة والخروج بسفينة البشرية من عباب الأزمات والانحرافات إلى شاطئ الأمان، غير أنه يجب عليه أن يسأل نفسه : هل هو مؤهل لاستلام مركز القيادة؟؟
إن مشعل الخلاص لن تحمله إلا الأيدي المتوضئة، والقلوب المفعمة بالإيمان، والنفوس المطمئنة بوعد الرحمان، الصالحة المصلحة، قال سبحانه : {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الارض يرثها عبادي الصالحون}(الأنبياء : 104) اللهم اجعلنا من الصالحين المصلحين آمين.