… أزيد من مليون ونصف المليون من خيرة أبناء هذه الأمة محاصرون في قطاع غزة في أبشع وأشنع حصار عرفه التاريخ المعاصر، حصار يُسجل بمداد الخزي والهوان أكبر وصمة عار على جبين عالم قيل إنه يدافع عن الديموقراطية وحقوق الإنسان وهلم سفسطة!
شعب بكامله بلا طعام ولا ماء ولا دواء ولا كهرباء، شعب يجتمع نواب برلمانه على أضواء الشموع وعلى نفس الشموع يدرس أطفاله وطلبته في تحدي قل نظيره. وعلى الشموع أيضا يسلم المرضى أرواحهم الطاهرة للباري عز وجل أمام أعين ذويهم لانعدام الدواء وتوقف الأجهزة الطبية عن العمل لانقطاع الكهرباء.
يقع هذا الحصار وبعض المفسدين في أوطاننا ينفقون انفاق من لا يخشى الفقر على التفاهات والمهرجانات السينمائية الماجنة والسهرات الرقيعة.
يقع هذا ونفسح المجال لبيريز رئيس الكيان الصهيوني ليشنف أسماعنا في مؤتمر ما يسمى “بحوار الأديان” بالفتوحات التي حققتها دولته في مجال حقوق الإنسان ودباباته وجنوده بنشرون الموت والخراب في غزة وغير غزة ويفرضون الحصار الجائر على شعب بأكمله..
إن هذا الحصار الجائر على أهل غزة ليست إسرائيل وحدها المسؤولة عنه وإنما المسؤول عنه أيضاً السلطات المصرية التي أبلت البلاء الحسن في منع وصول المساعدات الطبية والغذائية إلى المحاصرين عبر معبر رفح والذي هو معبر مصري بالكامل ولا سلطة لاسرائيل عليه. ومع ذلك تقوم هذه السلطات بحراسة حماية لأمن اسرائيل واستقرارها حتى تتم مهامها القذرة بكل اطمئنان، لقد أثبتت السلطات المصرية الشقيقة كفاءة تحسد عليها في ضبط عمليات تسلل المؤن والدواء والأسلحة عبر الأنفاق التي حفرها أهل المقاومة في غزة بأظافرهم.. فمنذ بداية السنة الجارية تم قتل أزيد من 45 فلسطينيا داخل هذه المعابر باستخدام غازات قاتلة.
إضافة إلى القوات المصرية، هناك السلطة في رام الله والتي أصبحت بسكوتها وتواطئها أحيانا كثيرة وإفشالها المتكرر لأي تقارب مع حركة حماس في حوارات القاهرة وما سبقها، أصبحت هذه السلطة تعطي المسوغ تلو المسوغ لاستمرار الحصار وتجويع أهل غزة..
إضافة إلى هؤلاء وهؤلاء هناك الصمت العربي والاسلامي الرسمي والشعبي أيضاً إزاء ما يقع في غزة من تجويع وتقتيل، فلا تكاد تجد أو تسمع أو تقرأ حراكا جادا مندداً بالحصار أو الدعوة الجادة لكسره عبر جمع تبرعات وارسال فرق طبية لانقاذ ما يمكن إنقاذه..
فلا تثريب عليكم أيها”النشاما” فقد جاء من يكفيكم عناء المحاولة وهاهم الأجانب من أصحاب الضمائر الحية ينوبون عنكم من خلال رحلتين ناجحتين على متن سفن بسيطة في حجمها لكنها عظيمة في مغزاها ومرماها لمن كان يجيد قراءة الرموز والدلالات.
وكأني بهؤلاء الشجعان وهم يخاطرون بحياتهم من أجل فك الحصار على أهل غزة إنما يقولون لنا جميعا :
دعوا المكارم لا ترحلوا لبغيتها
فاقعدوا فأنتم الطاعمون الكاسون
مع الاعتذار للفرزدق على هذا التحوير البسيط الذي أملته الضرورة السياسة.