5- الوجود والتواجد (2)
تحدثنا في الحلقة الماضية في هذه الجريدة عدد 305 عن التعليل الأول لاثبات الفرق بين دلالتي التواجد والوجود الذي مصدره غنى الأصل (و ج د) بدلالاته الفرعية.. وسنتناول في هذه الحلقة التعليل الثاني الذي هو :
ثانيا : اختصاص كل صيغة بانتمائها إلى مجال معين في مادة التصريف. ونوضح ذلك كما يلي :
أ- صيغة فُعول : تعتبر الكلمات التي جاءت على هذاا لوزن مصادر، وذلك مثل : الحدوث، والخروج، والركوب، والسكوت، والصعود…الخ وقد أورد سيبويه أمثلة من هذا النوع وهو يتحدث عن مصادر الفعل الثلاثي إذ يقول : >وقد جاء بعض ما ذكرنا من هذه الأبنية على فعول وذلك : لزمه يلزمه (لزوم) ونهكه ينهكه (نُهوكا)، ووردت (وروداً) وجحدته (جحوداً)، شبهوه بجلس يجلس (جلوساً)، وقعد يقعد (قعوداً) وركن يركن (ركونا) لأن بناء الفعل واحد<(5/4- 6).
هكذا نلاحظ أن الكلمات التي جاءت في النص بين قوسين على وزن فعول مصادر لأفعال ثلاثية هي (لزِم) و(نَهِكَ) و(وَرَد) و(جحد)..الخ
ب- صيغة تفاعل : نلاحظ أن هذه الصيغة؛ صيغة فعل ثلاثي في الأصل هو (وَجَدَ) لكنه مزيد بحرفين هما التاء في أوله والألف في وسطه ((ت) و(ا) جدَ)] لأن الأصل الذي يعتمد للقياس عليه في قواعد اللغة العربية فيما يسمى بالميزان التصريفي هو أحرف ثلاثة هي (ف ع ل) ويشكل هذا الأصل (ف ع ل) بشكل كلّ الاحتمالات التي يمكن أن يكون عليها الفعل الثلاثي في اللغة العربية وهي (فَ عَُِ لَ) أي (فَعَلَ) مثل ضَرَب و(فَعِل) مثل سَمِع، و(فَعُل) مثل عظُم، و(فُعِلَ) مثل قُتِل. وعلى هذا يكون أصل (تواجد) هو وَجَدَ على وزن (فَعَلَ). وعند تأملنا لهذا الأصل (وَجَدَ) يتبين لنا أن الزائد على هذا الأصل (وَجَد) ليصير (تواجد) هو حرفان هما : التاء في أوله والألف في وسطه (ت) و(ا) جَد] وعلى الرغم من كون كلمة تواجد فعلا مزيداً فإنه لا يفقد خصائص الفعل التصريفية والتركيبية من ذلك مثلا أنه يكون لازما تارة، بمعنى أنه لا يحتاج إلى مفعول بل إن الفعل يكتفي بالفاعل كما يوضحه الشكل التالي : فعل + اسم، مثل وجَد الرجلُ في الحزن، ويكون متعديا تارة أخرى. أي أن الفعل يأتي بعده اسمان أولهما فاعل وثانيهما مفعول، كما يوضحه الشكل التالي : فعل + اسم + اسم، مثل وجد +فلان +ضالته. وقد رأينا أمثلة لهذا في الحلقة الماضية للفعل (وجَد) الأصل (1- 2- 3- 4- 5) انظرها في العدد الماضي.
وفي هذا السياق أي كون فعل تواجد متعديا تارة ولازما أخرى يقول ابن عصفور : >تفاعل : تكون متعدية وغير متعدية.
فالمتعدية نحو تقاضية، وتنازعنا الحديث، وتجاوزنا المكان.
وغير المتعدية : تفاعل، وتعاقل، وإنما يجوز أن تقول : >تفاعلته< وتعديه إلى المفعول، إذا لم يكن المفعول فاعلا نحو >تقاضيت الذين<(الممتع 181/1- 182).
وقفنا عند مفهومي التعدية واللزوم بالنسبة لفعل (تواجد) رغم دسامة المادة وثقلها على غير المتخصص لما لها من تأثير على تصنيف وظائف صيغة (تفاعل) كما سنراه في الحلقة المقبلة بإذن الله.
> هكذا يتضح من خلال تحديد مجال كل من صيغتي (فعول) الخاصة بصيغ المصدر، و(التفاعل) الخاصة بنوع من الأفعال المزيدة بحرفين أن الخطأ فادح، عند مستعملي التواجد بمعنى الوجود، ذلك أن استعمال الفعل (تواجد) مكان المصدر (الوجود) يفسد المعنى أيما إفساد، لأن المصدر اسم مجرد من الدلالة على الزمان، في حين أن الفعل مقترن بالزمان، وعليه فوظيفة الاسم غير وظيفة الفعل في التواصل، ولذا تحرى النحاة (العرب) في التفريق بينهما يقول ابن السراج على سبيل المثال : >الاسم : ما دل على معنى مفرد.. وإنما قلت >مادل على معنى مفرد لا فرق بينه وبين الفعل، إذ كان العقل يدل معنى وزمان..<(الأصول 36/1).
ولأجل توضيح الخطأ الذي يقع فيه مستعملوا التواجد بمعنى الوجود بأمثلة محسوسة، نورد أمثلة للصيغتين معا من نفس المادة لنلاحظ الفرق بين دلالة الكلمة وهي على صيغة (فعول) ودلالتها على صيغة تفاعل، وهما معا من أصل واحد، من ذلك ما يلي :
الصعود، والتصاعد، والفضول والتفاضل، واللزوم والتلازم، والنزول والتنازل، والقعود، والتقاعد والوصول والتواصل، قل لي بربك هل كل الكلمات التي جاءت على وزن تفاعل يمكن أن تعوض التي جاءت على وزن فعول في هذه الأمثلة.
إذا كان ذلك ليس كذلك فإن التواجد لا تعنى الوجود!.
يتبع.