إن الإسلام أعطى للعلم والعلماء مكانة خاصة، فوضح أن العلم قوام الأمم، فالأمة العالمة هي الأمة المتقدمة، وعكسها هي المتخلفة، لذلك كان أول ما نزل من القرآن هي كلمة “اقرأ” وبهذا يكون الإسلام قد أصل لأمر مهم ألا وهو التمييز بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}(الزمر : 10) وهذا التمييز ليس مقصورا على الإنسان وحده، بل يشمل الحيوانات الأخرى، حيث نجد الدين الإسلامي في باب الصيد يميز بين الكلب المعلم الذي تؤكل الفريسة التي يأتي بها لصاحبه، والكلب غير المعلم الذي لا يؤكل ما اصطاده.
إن العلم في التصور الإسلامي هو شريك الإيمان وهو سبيل موصل إلى تثبيته في القلوب {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب}(الزمر : 10).
إن كتاب الله تعالى قرن الخشية من الله بالعلم، فقال : {إنما يخشى الله من عباده العلماء}(فاطر : 28) وبناء على هذا فالعلماء هم فئة من الناس ذات تميز وامتياز يذكرها الله وينوه بها ويضعها موضع الاقتداء والاتباع، قال الله تعالى : يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}(المجادلة : 11).
إن القرآن الكريم لا يكتفي بمجرد التنويه والترفيع من قدر العلماء، وبمجرد توجيه الناس نحو اتباعهم فحسب، بل يأمر بذلك صراحة فيقول {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}(النحل : 43)، هذا وقد بين الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى المكانة والرسالة التي أناطها الإسلام بالعلماء بقوله : >فهم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء بهم يتهدي الحيران في الظلماء، وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وطاعتهم أفرض عليهم من طاعة الأمهات والآباء بنص الكتاب< قال الله تعالى : {يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم}(النساء : 58).
إن النبي حث أمته على طلب العلم عامة والعلم الشرعي منه خاصة، فبين في أحاديث شتى مكانة طالب العلم والعالم، والجزاء الذي أعده الله لهما، ومن ذلك ما رواه أبو داود والترمذي وغيرهما عن أبي الدرداء ] قال : سمعت رسول الله يقول : >من سلك طريقا يبتغي فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في البحر، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب..<، وفي هذا إشارة واضحة إلى ما يقدمه العلماء للناس من نور يصبرون به ويهتدون، ثم أضاف عليه السلام في الحديث ذاته : >وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر<، وواضح إذن أن العلماء هم خلفاء الأنبياء.
كما نبه الرسول الكريم إلى أن فقدان المجتمع لقيادة العلماء ودخوله تحت قيادة الجهال يعد طريقا إلى الضلال والانحطاط، ففي الحديث الذي رواه الشيخان وغيرهما عن عبد الله ابن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله يقول : >إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا<.
وواضح من خلال الحديث أن الوضع الطبيعي السوي في المجتمع الإسلامي هو أن يكون تحت قيادة العلماء، وأن تكون للعلماء مكانة استشارية فيه، ويفيد الحديث كذلك أن العلماء يجب أن يكونوا متبوعين لا تابعين لاسيما فيما هو متوقف على العلم والفقه في الدين.
إبراهيم والعيز
مقال جيد ،لولا أن المفاهيم تغيرت تغيرا مهولا ،:بين الأمس واليوم . فعن أي صنف أورهط من العلماء تتحدثون ؟ أما العلم كرصيد حضاري ومنتوج فكري ، فشتان بين الأمس واليوم ! باختصر شديد ، وبقليل من التشاؤم مع ماتيسر من الجرأة ، يمكن القول بأن جل مصائب الأمة تقع على كاهل علمائها المتعددي التخصصات والمهام المسندة إليهم بطرق مختلفة ….