إن المسيرة الخضراء تعتبر من أنضج أفكار القرن العشرين، حيث إننا استطعنا أن نحقق بها غاية كبيرة ألا وهي استرجاع الصحراء إلى الوطن الأم، وتحريرها من يد المستعمر. فلماذا تعطلت روح المسيرة في حياتنا ونحن الآن في أمس الحاجة إلى مسيرة لنحرر بها القضاء من المحسوبية والمحاباة، فعن عائشة رضي الله عنها أن قريشاً أهمهم أمر المخزومية التي سرقت، فقالوا : من يكلم فيها رسول الله ومن يجترئ عليه إلا أسامة حبُّ رسول الله ، فكلمه أسامة فغضب رسول الله ، فقال : أتشفع في حد من حدود الله، ثم قام فخطب فقال : إنما هلك من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق الوضيع أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها<(متفق عليه). فأين نحن من روح المسيرة الخضراء التي حررنا بها الصحراء، ولماذا تعطل فكر المسيرة في حياتنا فإننا نريد مسيرة لتقريب الإدارة من المواطن فقد قال : >من وَلِي من أمر الناس شيئاً ثم أغلق بابه دون المسكين والمظلوم، أغلق الله أبواب رحمته دون حاجته<(رواه الإمام أحمد بإسناد حسن).
نريد مسيرة سليمة خضراء لتحرير ضمير كل مسؤول عن مصلحة من مصالح المسلمين حتى لا يبسط يده في الأموال العامة، دخل عمر بن عبد العزيز على زوجته فاطمة فقال لها : هل عندك درهم أشتري به عنبا فإنني اشتهيت العنب، فقالت : ما عندي درهم، ثم قالت : وأنت أمير المؤمنين لا تقدر على درهم تشتري به عنبا؟ فقال ] : هذا أهون علي من معالجة الأغلال في نار جهنم يا فاطمة. فأين نحن من مسيرة التحرير لنحرر المواطن من الظلم، فقد قال : >من أعان ظالماً بباطل ليدحض به حقا، فقد برئ من ذمة الله ورسوله<(رواه الطبراني).
إنها فأل خير حررنا بها جزءاً لا يتجزأ من الوطن الأم، فهل لنا بمسيرة جديدة خضراء نحرر بها الإدارة من الرشوة، ففي مسند الإمام أحمد أن النبي قال : >ما من قوم يظهر فيهم الرشا إلا أخذوا بالرعب<.
وفي رواية : >لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم<(رواه الطبراني).
نريد مسيرة مشفوعة بقوة السلطان لمعاقبة أهل الفساد والزُّور من المبطلين المنحرفين، قال : >ألا أنبؤكم بأكبر الكبائر قالوا : بلى يا رسول الله، قال : الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متئكا فجلس، فقال : ألا وشهادة الزور ألا وقول الزور..<(متفق عليه).
فأين روح المسيرة التي حررت أرضنا لنحرر بها ضمائرنا، وأخلاقنا، وعقائدنا…