ليس ثمة نقاش في حقيقة أن ” التوحيد ” هو واحد من أشد المفاهيم الإسلامية أهمية وأكثرها خطورة. بل هو في الحق قاعدة الإسلام وأساس بنيانه العقدي والعملي على السواء.
وكما هو معروف، فقد أشبع هذا المفهوم بحثاً وعطاءً وعرضاً وتحليلاً على مستوى علوم الكلام والفرق والعقائد والفلسفات، بل إن حركة الفكر الإسلامي الحديث التي تتميز بالتكامل والشمول، تتفق على أنه القاعدة والجوهر، ومن ثم فان معظم معطياتها تكاد تنطلق من هذا المفهوم وتتمحور عنده.
لكن الموضوع على خطورته هذه لم يوف حقه في إطار الأدب الإسلامي. وما يقال عن التوحيد يمكن أن يقال عن الكثير من المرتكزات الأساسية في التصوّر الإسلامي والتي يتحتم أن تحيا وتتنفّس في القصة الإسلامية، والرواية والمسرحية والقصيدة وفي النشاط النقدي.
قد نجد لمسات من هذه القيمة الإسلامية أو تلك في قصة أو قصيدة أو مسرحية .. والمطلوب ليس هذا فحسب، بل شيء أكثر امتداداً وتوغلاً في نسيج العمل الإبداعي. أي أن يكون إيقاع هذا العمل، وطبيعة خيوطه، ودرجته اللونية، وخلاياه العصبية -إذا صحّ التعبير- كفاء لهذا المفهوم أو ذاك من مفاهيم الإسلام الأساسية.
فالالتزام -كما هو معروف- ليس ضرباً للفرشاة على اللوحة وتغطية بعض مساحاتها وتكويناتها باللون المطلوب، ولكنه بناء اللوحة نفسها -ابتداء- وبسائر جزئياتها وخطوطها وظلالها، لكي تتحدث بعد ذلك فلا تقول أو توحي الاّ بالمنظور العقدي الذي تتحرك به فرشاة الأديب أو الفنان.
وكما كان الأدب الماركسي -على سبيل المثال- قد تشبع حتى النخاع بمفاهيم الماديتين الديالكتيكية والتاريخية، فان أدبنا الإسلامي يجب أن يتشبع بمفهوم التوحيد، وبسائر المفاهيم والمرتكزات الأساسية للتصوّر الإسلامي.
ولا يذهبن الظن بأحد في أن هذه الكلمات قد تكون بمثابة دعوة للمباشرة والتقريرية وجعل الأدب يفصح بفجاجة عن مطالب العقيدة أو التصوّر .. ذلك أن ظناً كهذا مردود جملة وتفصيلاً.
فنحن قبل لحظات أشرنا إلى أن الالتزام لن يتحقق بصيغته المقبولة الاّ بأن يتفجّر من الداخل، أما إذا أقحم على العمل الأدبي إقحاماً فانه لن يكون التزاماً ولكنه توظيف فجّ للفن والأدب، فهذه مسألة مفروغ منها، ومفروغ كذلك من القول بأن الالتزام أصبح في العقود الأخيرة على وجه الخصوص نظرية عالمية تأخذ بها وتتبناها كبرى المذاهب والاتجاهات الأدبية.
وما دام الأمر كذلك، فانه يطرح على الأديب المسلم وعياً أشد حساسية بتصوّراته الإسلامية، وقدرة أشد على تنفيذ مقنع يحقق التمثل المرجو لهذه التصوّرات في بنية العمل الأدبي في صميمه وجوهره.
إن نداء رسول الله (لبلال) وهو يئن تحت ثقل الصخرة ويكتوي بنار الصحراء، صارخاً : أحد أحد .. يتحتم أن تظل متوهجة في ضمير كل أديب أو فنان مسلم، متألقة في قلمه وفرشاته.
وثمة إلى جانب هذا الموقف الذي يتضمن بعداً عقدياً، وآخر إنسانياً، تيار غني بالمواقف والمعطيات التي تنتظر القلم المسلم الذي يعرف كيف يفجّر مضامينها ومعانيها، والفرشاة المؤمنة التي تدرك كم تكون اللوحة أكثر خلوداً وانتشاراً عندما تتحدث عن هموم إنسانية تتجاوز المرحلي المحدود وتتوجه بخطابها إلى الإنسان!