رياح اليأس مرسلة من كل جانب، فأشعلت النار في الأحشاء الوساوس، تكاد تقتلها. حاولت الصراخ والصياح لكن اللسان معقود وإن صرخت من يسمع صوتها وهي مغلوبة على أمرها فَقُدمت مرغمة قربانا لإله المادة الذي يعبده من حولها. وقف أمامها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : >تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم…< ليتهم يسمعون أو يعقلون لكنهم كالأنعام بل هم أضل، رأسها كاد أن ينفجر. أمطار الحزن ورياح اليأس كونت عاصفة هوجاء فأنبتت أمطارها كرها ومقتا. ألا يقول الباري سبحانه : {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون}.. رفعت أكفها إلى الباري : >اللهم إني أعوذ بك من الكفر ومن الفقر ومن عذاب القبر<، أيقظها من شـرودها طلب أختها الصغيرة للماء قــالت : آه يا أختاه احتاج أيضا إلى ماء يطهرني انفجرت أمامها كرة الماضي بعد أن اصطدمت بصخرة الزمن فبدت ملامحه من البداية.
كان اليوم شديد الحرارة تتخلله رياح وغبار طلبت مهلة للتفكير علها تجد نقطة النهاية أمام علامات الاستفهام دخلت إلى الحجرة التي عاصرت وعصرت طفولتها تلك الطفولة التي ذهبت أدراج الرياح تذكرت معها تلك العبارات التي كان وما زال الأب يرددها.. الطريق كلها أشواك جوع وعطش وحرمان جوع النفس وعطش الروح… الحياة بحر خضم لا ضفاف له، الفقر كاد أن يكون كفرا… والمرأة في عصرنا سلعة تباع في سوق كثر فيه النخاسون بأبخس الأثمان… إشهار.. إعلانات… و… و.. و… أين الحقوق هضمتها ثعالب بشرية نادت بها يوم حاول الثعلب استدراج الديك بندائه أن ازهدوا في الطير إن العيش عيش الزاهدين، لماذا لا يملك هذا المجتمع جوابَ وذكاءَ الديك الذي أجاب قائلا: مخطئ من ظن يوما أن للثعلب دينا..
أين كلمات الأب علقت الآن خارج معبد المادة ولا يعمل بها هنا فالقاموس المعاصر استغنى عن تلك الكلمات وليتركها الأب المسكين معه حتى حين.
ارتمت على السرير فقدت كل شيء بلا عزاء ولا ثمن رجل عديم الإحساس تبحث فيه عن الروح ويبحث عن الجسد أحست بغربة الزمان والمكان والإنسان والليل والنهار صعوبة بعد صعوبة من يسرق البيضة يسرق الدجاجة وقعت الواقعة فلم نشك الزمان إلى الزمان إنه لم يسمعنا، والقهر والعذاب يصنعهما الإنسان بنفسه حينما يلبس ثوبا لم يصنع له، اخلعي ثوبك إنك في عالم آخر طاهر ووَضْعُ الحد لحياة وهبها الله لنا جريمة لا تغتفر، كلمات قالها طيف زارها ثم قال بعدها.
بصوت مبحوح أريد قلبك تأملي الكون ترين الجمال بديعا وقلبي بصرك في الأفق تكن لك الحياة جميعا اخلعي النعل البالي، لم تُضَيّع السعادة في غدير المادة النتن ليته يعود، كلمات رجعت بها إلى الوراء أمعنت في التفكير، رن جرس الباب، قامت فتحته، التقته مرة ثانية، أغمضت عينيها، حلمت بموت هادئ يريحها من العذاب الأليم.
عبد الواحد بن الطالب – أولاد عياد -