مثل عربي قديم يعبر عن إباء المرأة المسلمة وعزتها وكرامتها وعفتها، حتى ولو انقلب لها الزمن، وسُدّت أمامها الأبواب، تبقى دائما رمزاً للطهارة والعفاف.
ولاشك أن نفس المسلم الأبي لم تعد تطيق ما تراه من تداعي الذئاب البشرية من كل الأصقاع على بنات حواء وخاصة في بلدنا المسلم الغيور الذي يحلو للبعض تصنيفه ضمن الدول المتقدمة في السياحة الجنسية.
لكن في ظل كل ذلك هناك فتيات أبيات ونساء شريفات من القابضات على الجمر يأبين إلا التمسك بكرامتهن، والوفاء لعفة المرأة المغربية المسلمة الأصيلة حتى ولو سفّت التراب وتجرّعت الآلام.
من ذلك ما روته فتاة مغربية حاملة لشهادة عليا، هاجَرتْ بلَدَها بحثاً عن العمل، بعد أن سُدّت أمامها الأبواب؛ لا لشيء إلا لأنها أبت أن تبيع عرضها في سوق النّخاسة الهابط أكثر من مرة.
حدث لها ذات مرة، أن قدمت طلباً لمؤسسة تشتغل بالترجمة، ولما كانت هي الوحيدة الحاملة لشهادة عليا ضمن المتقدمين، فإنها جُعلت على رأس القائمة، وتمت دعوتها لإجراء مقابلة معها بهدف توظيفها، لكنها فوجئت أن مدير المؤسسة رئيس لجنة المقابلة يقول للكاتبة التي صاحبت المرشحة إلى المكتب : >لماذا أدخلت علي هذا النوع؟> >علاش مْدَخْلَه عليّ هادْ الماركة؟؟< إن الأمر يتعلق بسلعة تباع وتشترى، إنها “ماركة مسجلة” مكتوب عليها >يمنع استهلاكها بسبب غطاء رأسها<.
لم تفْهم الفتاة المقصود، أمسكت الكاتبة بيدها وأخرجتها من المكتب برفق، بعْدها استفسرت الفتاة “الماركة الخاصة” الكاتبة، ما الذي يقصده المدير؟ فقالت لها : إنه الحجاب، إنه غطاء الرأس، ثم قالت لها : >من الأفضل أن تنزعي هذا الغطاء، حتى يمكنك أن تشتغلي معنا< ثم أردفت قائلة : >أنا بدوري أريد أن أرتدي الحجاب، ولكني أنتظر ترقية… وأخاف…<.
بعد ذلك قالت لها الفتاة المرشحة، أريد أن أعود إلى سعادة المدير لكي أوضح له بعض الأمور… منعتها الكاتبة في البداية، لكن صاحبتنا أصرت على العودة ودفعتها عزتها أن تفتح باب السيد المدير دون استئذان فقالت له : >اسمح لي سعادة المدير.. لقد أخطأت في العنوان، لقد كنت أظن أن المكتب هو مكتب للترجمة، فإذا هو مكتب لعرض الأجسام وإظهار المفاتن، أرجو تحديد بيانات إعلانكم بدقة لاحقا، حتى لا يضل الطريق من فيه عزة وإباء وحشمة وعفاف..<.
خرجت الفتاة، وهي التي ذاقت مرارة اليتم منذ ما يقرب من عقدين، وتنكر الأشقاء الذين شغلهم أهلوهم وأموالهم، عن الالتفات إليها، وتربت على العصامية والاعتماد على النفس، خرجت وهي تفكر في أنها منذ شهور لم تؤد ثمن الكراء، وهي مهددة بإفراغ السكن، بل إنها منذ شهور لا تسد رمقها إلا بالخبز والشاي، وهي التي تحمل شهادة عليا… لم تسعفها أنوثتها على الاعتصام مع المعتصمين في العاصمة واقتنعت بأن رزقها سيسوقه الله إليها مهما كان الأمر.
دارت بها الدنيا، ولم تدْرِ ما تفعل، اتجهت وحيدة إلى الشاطئ تتأمل أمواج البحر، علها تخفف عمَّا بها، وهناك جاءها أحد شياطين بني آدم، وكأنه يعلم ما بها، شيطان من فسقة الخليج فبدأ يحدثها عن نفسه وعن أمواله، حتى أخرج لها محفظة مملوءة بأوراق نقدية من فئة 200 درهم تقدر بآلاف الدراهم، وأراها لها، على أساس إن قبلت ما يريد سيقدم لها مبالغ أخرى أضخم، وخلال ذلك بدأ يشكر لها المغرب وأهله، وما يتميزون به من كرم، وأنه زار جميع مناطق المغرب وتعرفّه عن قُرب..
كانت الفتاة تستمع وتتأمل، بعدها قالت له : >هناك مكان في المغرب لم تره بعد<، بيد أنه أكّد لها أنه زار كل المناطق في الشمال والجنوب والشرق والغرب، لكنها قاطعته قائلة : >لا بالقطع، هناك مكان لم تره بعد، إنه السجن…. إن لم تبتعد عني، سترى السجن هذا المساء<.
هو إبَاءٌ ما بعده إباء، كرامة المسلمات وعزتهن، فضلت الجوع، عن نزع حجابها، وفضلت الجوع عن السقوط في الرذيلة، وهي الوحيدة… لا أبوان يراقبانها، ولا إخوان يتفقدونها، ولكنها استحضار لرقابة الله، وإيمان قوي به، واعتقاد بأنه لن يخْذُلها.
إنها قصة غريبة تدل على عدة أمور منها :
- أن المحجبات من بنات بلدنا، وفي بلدنا المسلم الأصيل ممنوعات من الدخول إلى العديد من مؤسسات التعليم والتكوين ومن الولوج إلى عالم الشغل، مع أنهن يحملن شهادات عالية. اضطر البعض إلى الاعتراف بها في بعض مؤسسات التعليم العالي التي تمنع المحجبات من الدخول إليها.