د. عبدالحفيظ الهاشمي
7- التفاعــل/التداعـي:
كل ما ذكرناه من صفات سابقة يشكل الجانب البنائي للجسد ويرسم صورته الظاهرة، لكن ما يساعد على إبراز الجسدية فيه وإخراجها من حيز الفعل الخارجي هوالتفاعل الذي يسود بين أعضاء الجسد.
فالتفاعل هوالترجمة الحقيقية لمعاني الصفات الأخرى، وهوالصورة العملية لبيان صدق التواد والتراحم والتعاطف والتعاون والتكامل وغيرها.
فالحديث النبوي السابق يجلي هذه الحقيقة ويؤكد هذا المدلول، فقوله :>إذا اشتكى منه عضوتداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى< يبرز قوة التفاعل التي تكون بين الأعضاء ودرجة الالتحام التي لا تسمح أن يستغني بعضهم عن بعض مهما كانت القيمة والوظيفة داخل الجسد.
فهذا التفاوت لا يلغي حقوق الأعضاء من التفاعل، لأنها تؤمن أن سلامتها ومناعتها وقوتها في الكل وليس في الجزء.
والتعبير >بالسهر والحمى< في الحديث الشريف يستشف منه معنيان:
معنى مادي يعكسه لفظ”السهر” حيث نقف عمليا على استنفار الأعضاء وتجندها ويقظتها حتى يزول الطارئ.
ومعنى معنوي يعكسه لفظ “الحمى” حيث نقف نفسيا على الإحساس والتأثر والانفعال لما يجري داخل الجسد.
فهذا التصوير النبوي الرائع والبارع لحال أعضاء الجسد عندما يلم به طارئ ما، ويكشف ما ينبغي أن يسود بين أفراد الجماعة المؤمنة، سواء برأب الصدع والإصلاح بينهم إذا حصل -لا قدر الله- ما يعكر صفوهم، أم بتدارك عضوتعرض لما يفتنه أويثنيه عن الاندماج في العمل الدعوي والإنتاج فيه..
ولا يفوتني أن أسجل هنا أن الحاضر معنى والغائب لفظا في منطوق الحديث هوالتأكيد على سرعة التفاعل التي لا تترك فرصة لتفشي الداء أواستفحاله حتى يصبح مستعصيا على العلاج والتدارك..
فتطويق الآفات ومعالجتها في حينها من شأنه أن يحفظ الجسم من التصدعات ويجنبه الجيوب والوقوع ف المصارع..
وأحب ألا أحصر صفة التفاعل فيما بين أفراد الجسد، وإنما أمتد بها إلى ما بين الفرد ودعوته. فالإيمان ليس معنى روحيا سلبيا يصل الإنسان بالله فقط. وإنما هوإلى ذلك قوة إيجابية تبعث على التنفيذ، وتنهض إلى العمل، أوهوسر إلهي مشبوب في قلب الداعية وعصبه، موكل بإنفاذ رسالته إلى الحياة العملية.
فلا يهدأ القلب ولا العصب حتى يكون كل شيء في الحياة يجري على منهج الدعوة وتعاليمها، وإن لم يتحقق ذلك وفق المنهج المطلوب فالعزاء في العمل الصادق، والجهاد القوي حتى يقر الله عينه بما يحب، أويقضي له شيئا آخر.
فالتفاعل مع الدعوة داخل الجماعة المؤمنة، يقوي مناعتها، ويحفظ أعضاءها من التردي فيما يشغلهم عما خلقوا له.
خــاتـمــة :
وأخيرا فإن النهوض بالحق عسير، والمعوقات عنه كثيرة:
هوى النفس، وما أخظره! ! وطغيان الطغاة وما أشقاه! !
وظلم الظلمة وجَور الجائرين، وما أشد تأثيرهم في التحريف والتشويه! !
وتصورات البيئة الموبوءة بالتحليلات الدنيوية الزائغة وما أشد شراستها! !
والتواصي تذكير وتشجيع، وإشعار بالقربى في الهدف والغاية، ونسج للأخوة في العبء والأمانة.
والتواصي -أيضا- مضاعفة لمجموعة الاتجاهات الفردية، إذ تتفاعل معا فتتضاعف، تتضاعف بإحساس كل حارس للحق أن معه غيره يوصيه ويشجعه ويقف معه، ويحبه ولا يخذله، >المسلم أخوالمسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة<(أخرجه البخاري ومسلم وأبوداود والنسائي والترمذي وقال:حسن صحيح)
والتواصي بالصبر كذلك ضرورة، فالقيام على الإيمان والعمل الصالح وحراسة الحق والعدل من أعسر ما يواجه الفرد والجماعة، ولا بد من الصبر.
لا بد من الصبر على جهاد النفس وجهاد الآخرين، ولابد من الصبر على الأذى والمشقة.
ولابد من الصبر على تبجح الباطل واستئساد الشر.
ولابد من الصبر على طول الطريق وبطء المراحل وانطماس المعالم وبعد النهاية..
وبعد؛ فإن هذا الدين هوالحق، ولا يقوم إلا في حراسة جماعة متعاونة ومتراصة ومتواصية ومتكافلة ومتضامنة على هذا المثال..