لا جَرَم أن كل كاتب يتذكر بكثير من اللذة والحنين، مقاله أو قصيدته أو قصته الأولى منشورة على صحيفة من الصحف أو مجلة من المجلات، ولاشك أن شعوره آنذاك كان يمثل له بداية الحلم الذي يراود كل مبدع يريد أن يشق طريقه نحو المجد والشهرة والمال أيضا، غير أن شعورا آخر لابد أن يراود كل مبدع آمن بفكرة ما، واقتنع بضرورة ترسيخها في وجدان شعبه، بل ووجدان الإنسانية جمعاء، الشيء الذي يدفعه إلى استفراغ جهده وتوظيف كل إمكانياته الفنية للوصول إلى عقل وقلب القارئ… والأديب المسلم واحد من هؤلاء الذين حملوا الحرف هَمّاً ونزفاً، وحاولوا التمكين لقيمهم في معركة التدافع الحضاري بين الأمم والملل، ولا أريد أن أستعرض هنا نماذج من هؤلاء المبدعين والمبدعات، لأن ذلك مما لا يتسع له المقال، غير أني أريد أن ألفت بصر وبصيرة هؤلاء المجاهدين بالأقلام والذين يقفون على ثغر من ثغور الأمة، وتحصينها ثقافيا وعقديا، وجعل انفتاحها على الغير انفتاحا واعيا، إلى استصحاب الهدف الذي من أجله قامت رسالة نبيهم عليه الصلاة والسلام، وإخلاص النية في كل ما يكتبون، حتى لا يسرقهم بريق الشهرة وكلام المنابر الإعلامية عن فتوحاتهم الأدبية، وإني في هذه اللحظة التي أرى فيها أمة الإسلام مستهدفة في دينها وفي ثرواتها، وفي حالها ومستقبلها، أستحضر كلام أحد النقاد الإسلاميين وهو يقدم باكورة أعماله النقدية للقراء، حيث يقول :
(وأنا -إذ أقدم على هذه الرحلة- أعلم خطورة الطريق، وجسامة المسؤولية، ومع ذلك.. فقد أدركت بأن الصمت في هذا المجال لن يكون حكمة بل قد يتحول إلى نقمة.. فأقدمت على ما رأيته صائبا، وذاكراتي موشومة بما كتبه لي أحد المهتمين بالأدب :
>إن من دواعي التأليف والكتابة، أن يكون النتاج جواز سفر يحمله الكاتب مع غربته في الدنيا، ومصرعه عند الموت، ووحشته في قبره، ووقوفه بين يدي الله<
وبما قاله الشاعر قديما :
وما من كاتب إلا سيفنى
ويبقى الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيء
يسرك يوم القيامة أن تراه)(*)
——-
(*) جمالية الأدب الإسلامي – الدكتور محمد إقبال عروي، الطبعة الأولي -الدار البيضاء 1405هـ/ 1985م.