ذ. محمد باديس
قال تعالى : {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب}(الطلاق : 2- 3)، وقال تعالى : {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمومنون}(التوبة : 105) وفي الأثر المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلا وقد اتخذ من المسجد دارا له يتعبد فيه ولا عمل له وعلم الرسول أن له أخا لا يأتي المسجد إلا في الأوقات المكتوبة ويقم على رعايته فقال صلى الله عليه وسلم ما معناه >أخوه أفضل منه< ويروى عنه أيضا معنى قوله صلى الله عليه وسلم : >لأن يحتطب أحدكم خيرا من أن يقول للناس أعطوه أو منعوه< وقد أمرنا رب العزة بالسعي والسفر والاغتراب في شتى بقاع الأرض من مشرقها لمغربها، وأن نركب من أجل لقمة العيش والكسب الحلال قال تعالى : {فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور}(الملك : 15)، وقال تعالى {وعلمناه صنعة لبوس لكم} أي دروع من الحديد في شأن داود عليه السلام، وكان أحد الصالحين يقول لتلاميذه : يافتيان احترفوا، فإني لا آمن عليكم أن تحتاجوا إلى القوم يعني الأمراء، وقال أحد الشعراء :
توكلت على الرحمان في الأمر كله
ولا ترغبن في العجز يوما في الطلب
ألم تر أن الله قال لمريم
وهزي إليك الجذع يساقط الرطب
ولو شاء أن تجنيه من غير هذه
ولكن كل رزق له سبب
وقال آخر :
وما المرء إلا حين يجعل نفسه
ففي صالح الأعمال نفسك فاجعل
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخيط ثوبه ويخصف نعله ويحلب شاته ويعلف ناضحه أي البعير الذي يسقي عليه الماء. وتعلم الحرف أمر محمود في الإسلام والحرف تفتح أبواب الرزق، ولا ينبغي التقليل من شأن أي حرفة كانت مادام كسب الإنسان منها حلالا ويراعي الله في مهنته ويتقنها. ونقول للجزارين، ولمن يقوم بمثل صنعتهم ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته<(رواه مسلم)، ونقول للذين يهتمون بتربية المواشي ومن يقوم بمثل صنعتهم قول النبي صلى الله عليه وسلم : >الشاة في البيت بركة، والشاتان بركتان والثلاث شياه ثلاث بركات<(رواه البخاري)، ونقول للقضاة يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : >إن خياركم أحسنكم قضاء<(رواه البخاري)، ونقول للذين يهتمون بتربية الخيول ويقومون على شؤونها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : >الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة<(رواه الإمام أحمد)، ونقول للأطباء ومن يعمل في سلكهم يقول الله تعالى : {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا}(البقرة : 269)، ونقول للذين يعملون في مجال الرياضة نذكرهم بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : >علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل<، ونقول للذين يعملون بصناعة الخبز، وللذين يعلمون في مجال الاقتصاد وللمزارعين، وللذين يعملون بالصناعات الحربية وللمعلمين ونقول لغيرهم إن الله تعالى يقول : {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمومنون}(التوبة : 105) وقول النبي صلى الله عليه وسلم : >من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبداً<(رواه البيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه) وقول الله تعالى : {ومن يتوكل على الله فهو حسبه}(الطلاق : 3) ونقول لكل من ذكرنا ولغيرهم من أصحاب الأعمال وغيرها ألطف ما يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يربط الإرادة والجهد والعمل والتفويض والتوكل : >لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقتم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا<(رواه الترمذي)، والنبي صلى الله عليه وسلم هو خير قائد عرفته البشرية وأفعاله وأقواله كلها تنبض حكمة ورشدا، لذا يحاول كل منا أن يكون قدوة في تطبيق العمل على نفسه أولا فإن كثيرا من النصائح والتوجيهات لن تفيد، فإذا مثلا أخطأت فاعترف بخطئك بطريقة مهذبة وابحث عن استشارة من عندهم خبرة حسنة لأن الإعتراف بالحق فضيلة محمودة، وكذلك من الأخلاق الحميدة التواضع، وحسن المعاشرة مع الغير، والتحلي بالأمانة التي تولد الثقة، وغير هذا كثير ونختم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : >من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب<(رواه أبو داود)، وحكاية عن نبي الله نوح عليه السلام قال الله تعالى : {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً} صدق الله العظيم.