قال تعالى : {وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرءان ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه، وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين}(يونس : 61).
انتبه أيها الإنسان فإنك مراقب، مراقب في كل مكان وزمان، مراقب في السر والإعلان، حيثما حللت وارتحلت فأنت مراقب من الواحد الديان، يعلم سرك وعلانيتك، ولا يخفى عليه شيء من أمرك.
وهذا يقتضي منك أن تستحي منه سبحانه، فلا تفعل إلا ما يرضيه، ولا تقول إلا ما يرضيه، ولا تخوض في شيء من أمورك إلا وأنت واضع في الحسبان أنك مراقب فيه وستحاسب عليه {إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه} هذه الحقيقة بينتها هذه الآية المباركة من سورة يونس بما لا مزيد عليه، فإياك أن تغفل عنها فتصاب مقاتلك، وتخسر دنياك وآخرتك، وإذا احتجت إلى تأكيد فاقرأ قول سيدك ومولاك سبحانه : {يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم، ولا خمسة إلا هو سادسهم، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة والله بكل شيء عليم}(المجادلة : 6- 7).
اقرأ هذا جيدا، وتدبره تدرك بغيتك وتنل حاجتك، وإنما حاجتك وبغيتك -مثلي تماما- مراقبة الله في كل حال {يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يات بها الله إن الله لطيف خبير} فإذا راقبت الله فزت ورب الكعبة.
راقب الله في عملك، ولا تلق بالاً للأصنام، جامدة كانت أو متحركة.
راقب الله في مسيرك ولا تلتفت يمينا ولا شمالا، ولا تنظر إلى الخلف.. فإن الله حافظك مادمت تراقبه، ومن كان الله حافظه فلن يستطيع أن يبلغ إليه أحد {فالله خير حفظا وهو أرحم الراحمين}.
يرحم الله عمر بن عبد العزيز فقد كان يقرأ ذات يوم قول الله تعالى : {وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرءان ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه} فبكى بكاء شديداً حتى سمعه أهل الدار، فجاءت فاطمة فجلست تبكي لبكائه، وبكى أهل الدار لبكائهما، وجاء ابنه عبد الملك فدخل عليهم وهم على تلك الحال فقال له يا أبت ما يبكيك؟ فقال : يا بني خير، ودَّ أبوك أنه لم يعرف الدنيا ولم تعرفه، والله يا بني لقد خشيت أن أهلك وأن أكون من أهل النار))(1).
رحمك الله يا خامس الخلفاء الراشدين، تقول هذا وأنت من أنت صلاحا ودينا وتقوى -ولا نزكيك على الله- تخاف النار وأنت الصوام القوام البكاء العادل لأنك عرفت أنك مراقب، هنيئا لك يا عمر ثم هنيئا.. والله إنا لنحتقر أنفسنا أمام عظمة مواقفك الإيمانية هذه.
أما أنت -أيها القارئ الكريم- فما رأيك أن نتفق أنا وأنت على أن نحاول التشبه بهذا الرجل في ذكر المراقبة واستحضار نتائجها وعواقبها.
نحن متفقون، فعلى بركة الله نبدأ، والله الموفق.
—-
1- البداية والنهاية لابن كثير : 220/9.