كان على الذين أبدوا غير كثير من التعجب والاستغراب أن يلجموا استغرابهم قليلا ويمنحوا السيدة الوزيرة بعضا من ظروف التخفيف، فهي وزيرة دفاع عن المواطنين بمختلف أعراقهم ودياناتهم وأهوائهم، وهذا هو الأهم.
وهي في دفاعها لا تختلف عن حواريي معزوفة الوطن للجميع، وفي هذا الشأن لا يعارضها أحد.
وإذا كانت هذه المعزوفة، أي معزوفة الوطن للجميع تردد دائما في اتجاه غريم واحد بالواضح لا المرموز وهو الغريم الإسلامي، فقد بات من باب الكلام البائت، الترديد المستمر للمقولة الكلاسيكية والتي مؤداها أن الإسلاميين بهذا البلد هم دعاة التعايش تحت سماء الوطن، للقاصي والداني، والصادق والمغرض. وبصيغة أخرى وإن كان فيها اجترار، فالإسلاميون بهذا البلد كما بسائر بلدان المعمور، هم الذين يؤمنون حقا بالتعايش وإكرام ضيوف الوطن من أجانب. ولتقرأ السيدة الوزيرة المثقفة ما تيسر من بحوث مستفيضة بالإنترنيت حول معاملة المسلمين للذميين في ديار الإسلام وعلى امتداد العصور والأنظمة الإسلامية، دون حاجة منها لإزعاج السيد وزير الأوقاف بأكل الثوم بأضراسه عوضها، واستصدار فتاوى في هذا الشأن كما فعلت في نازلة أذان الفجر..
وبالعودة إلى مقدمتنا التي سألنا فيها ظروف التخفيف لمحامية السياح والسادة أصحاب المقامات من ساكني الإقامات، يمكن القول أنه إذا عرف السبب بطل العجب، فكما هو معروف فإن السياح الأجانب الذين يقصدون بلادنا، هم في جملة منهم قناصة للذة والمجون وهي الأمور التي يعرف المختصون بما يجري ويدور في الحانات والكازينوهات والفنادق والمنازل المغلقة أنها تفتتح أنشطتها وقنينات دوخاتها بعد منتصف الليل، حيث تستمر “الفرفشة” حتى مطلع الفجر فإذا حضرت الملائكة فجرا مع الأذان توارت الشياطين كما جاء في الأثر، إذ تبدأ الهامات في السجود للرب المعبود، وتعض هي على يديها أن حرمت لذة السجود، وبالتالي فلا بأس أن تعمل بصرخة شمشون : (علي وعلى أعدائي)، فلا يسمع أحد النداء الرباني، وبالتالي يغط الجميع في الغفلة وفي سرابيل بول الشيطان الرجيم.. ألا يقول المعصوم عليه أزكى الصلاة والسلام من رواية لأحمد عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((ما من ثلاثة في قرية لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان…))، وفي هذا الإطار وكما جاء في تدخل السيدة الوزيرة، فإن خفض صوت المؤذن في هذا الزمن الذي اتسعت فيه جغرافية الساكنة وكثرت فيه الفتن المذهبة للب المبعدة عن الصلاة فإن التقليص من صوت الأذان هو بمثابة حذف للأذان والسلام.
وبصيغة أوضح فإن السادة السياح إذا باتوا يسكرون ويفسقون فما حاجتهم لأذان الفجر الذي يؤرقهم؟! حتى إذا طلع النهار عليهم طلعت معه غضبتهم “الدولارية”، التي لعل أصداءها وصلت إلى مسامع السيدة الوزيرة، ومن باب حرصها على مصالحنا العليا و”السفلى”!!، وحتى لا يحزم السياح حقائبهم وأشياء أخرى!! وتطير منا بالتالي العقود وتبور بين ظهرانينا “القدود” ، فقد سألت السيد الوزير الذي تتراكم على مكتبه ملفات فساد يعرق لها الحجر، (كان أبطالها سياح أشاوس عاثوا فسادا في البلاد، ورحلوا مكرمين إلى بلدانهم وبقي الحبس للتعيسات بنات المتاعيس).. نعم سألته أن يفتيها في شأن البقرات السمان اللاتي لا زلن يأكلن بقرات الوطن العجاف!!، وهي في هذا الشأن عملت بالمثل المغربي (ماقادوش الفيل زيدوه فيلة).. فأشعلت فتيل حرب لاشك لن يخمد أوارها قريبا بين الفجريين الذين يرجون رحمة الله والناس نيام.
من الفجوريين الذين لا تحلو نومتهم إلا عند انبلاج الفجر!!
وبالمناسبة فليس كل سائح مروج فجور، إنما نقصد منهم أولئك الذين فاحت روائح استثماراتهم في اللحم الأبيض المغربي، ويزعجهم صوت الحق الذي يفسد عليهم لياليهم الحمراء ويذكرهم بقوله تعالى : {…بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبا لمرصاد}..
ولأن الحديث لا بر له ولا ساحل في ذكر هذا الجانب المظلم من القمر، فإني أقلب الصفحة لأسأل السيدة الوزيرة إن كانت حقا، وهي وزيرة الملف النسائي بامتياز وشاركت بفعالية في ندوة حول العنف ضد المرأة في الأيام الأخيرة، على علم بالإحصائيات الخاصة بنسبة العنف الممارس ضد النساء، والتي ترجع أفدح وأكبر أسبابها إلى تعاطي الخمور من طرف الأزواج مع عوداتهم الصاخبة فجرا، وبالتالي أما كان أجدر بوزيرة النساء أن تدعو إلى الحرب على الحانات، عن طريق التهليل للفجر وأهله..
وفي السياق ننقل هذا الحديث الجامع لرسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل الأذان.
فعن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((لو يعلم الناس ما في الأذان والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما حبوا))(رواه البخاري).
إننا لا نفهم صدقا ونحن في لجج تدن غير مسبوق للمنسوب الأخلاقي بشكل دفع بالكثير من المنابر اليسارية وحتى المعادية للطرح الإسلامي، إلى دق ناقوس الخطر والعودة إلى تكثيف حملات التأطير الأخلاقي لأبنائنا وبناتنا، كيف تنبري وزيرة مسؤولة عن السلم الاجتماعي والأمن الروحي لهذا البلد الأمين من خلال أحد أهم الحقائب الوزارية وهي الحقيبة الاجتماعية إلى إشاعة كل هذه البلبلة والجعجعة وبالنيابة عن وزارة هي وزارة السياحة؟!
ويبدو لي هذا العشق المبرح لدى بعض نخبنا مثيرا للغرابة، إنه حب يحتاج إلى إدخال أصحابه عاجلا إلى كتاب كينيس للأرقام القياسية، ولعل الإمام بن حزم رحمه الله، صاحب كتاب طوق الحمامة المليء برقائق العشق في حاجة إلى إعادة تأهيل في مجال الغرام المازوشي ليفهم بعضا من أبجديات الغرام العربي بالآخر الغربي في الوقت الذي يرفض هذا الغرب كل ما له علاقة بخصوصياتنا من لباس وعادات بل وأصول عقدية. وما يقع الآن من إساءات لديننا في شخص رسولنا صلى الله عليه وسلم أبلغ مثال على هذا الحب الأحمق من طرف واحد عند نخبنا.
لا أحد يرفض السياحة والسياح النظيفين (ونحن أهل التعايش والرحمة للعالمين، فكيف بنا مع ضيوفنا الكرام)؟!، وأولئك بالتأكيد و لثقافتهم ولياقتهم السلوكية وسعة فكرهم وأدبهم كضيوف لن يجسروا على إثارة زوابع مجانية حول أسس عقدية لهذا الدين العتيد، أسس تجعل الأذان ركنا أساسيا من أركان صلاة المسلمين، وهم يعرفون أن الإسلام هو الذي كان ولا يزال يحمي وجودهم وراحتهم بين ظهرانينا نصا وواقعا وعلى مر التاريخ..
أما صنف السياح وأصحاب الإقامات والمقامات من الذين لازالوا يحسبون أنفسهم الأسياد الاستعماريين لبلاد المسلمين، وهم يعملون بمقتضى المثل المغربي : (في عشنا وينشنا)، فأولئك هم الذين يستعبدون كرامة رجالنا ويمتهنون شرف نسائنا وأولئك هم الذين يزعجهم أيما إزعاج مظاهر تدين المسلمين، لأن تلك المظاهر من شأنها أن تسد الطريق على قوى الظلام المفسدة الآتية من الغرب..
وصدقا كان بودي أن تقرأ السيدة الوزيرة المحترمة، ما يكتبه بعض الشرقيين والغربيين المرضى من سباب جد وضيع، وأوصاف شنيعة ضد نسائنا “المفسدات في الأرض” حسب زعمهم، وسيل الشتائم لرجالنا الذيوثيين كما يصفهم بعض المشارقة.ثم لتقرأ عن المعاناة الرهيبة لبناتنا في دول الشرق والغرب وحتى في إسرائيل، وكيف توجد الكثير منهن رهينات بيوت الدعارة، (وقديما جيش المسلمون الجيوش من أجل استنقاذ شرف امرأة واحدة يا حسرة)!!!!!، وستبكي حثما إن كانت صادقة في دعمها للنساء على كل يوم ضيعته في الحديث عن متفجرات فاسدة في محضنها من نوع أذان الفجر.. في حين تظل الملفات الحقيقية كالدعارة والمخدرات في الصف النسائي رابـضة في الغبار والنسيان في انتظار توظيف سياسوي عابر.
وختاما نهمس في أذن السيدة الوزيرة بحكمة السادة العقلاء الحكماء:
(لا تصحب من لا يرى لك من الحق مثل ما ترى له).