8 مارس يوم عالمي للمرأة.. وبوتسرفين قمة جبل شامخ على علو 2250م… الثلوج البيضاء تكسو الجبال.. والأرض سوداء قاحلة… برد قارس في الصباح والليل، وشمس حارقة طيلة النهار… ونساء كالحال كادحات من أجل لقيمة خبز ممزوج بعرقهن والدخان.. لا يعرفن 8 مارس، ولا اليوم العالمي للمرأة، ولا الكتابة ولا القراءة، ولا أبسط حقوقهن… بل لا يعرفن سبب إجهاضهن المتكرر، ولا سبب ارتفاع نسبة الوفيات بين أطفالهن.. يقلن أن سبب ذلك هو البرد القارس والجوع.. ولا يعرفن التطبيب، لأنهن بعيدات عن المستشفى..
السيدة قشو أجهضت مراراً، وكل أمنيتها أن تجرب الأمومة، حظيت مرة بزيارة طبيب، فقيل لها أنها مصابة بفقر الدم وعليها أن تتغذى جيداً، لكنها لا تملك غير الخبز والشاي ككل السكان هنا..
في بوتسرفين مدرسة عجفاء، بها معلم واحد يدرس المستويات من الأول إلى السادس، وعدد التلاميذ 48 تقل نسبة الإناث بينهم، وقد استغربنا في البداية لقلة عدد الأطفال هنا، ولم نكن نعلم بعد أن سبب ذلك هو ارتفاع نسبة الوفاة بينهم..
لم يفارقني وجه الطفلة نادية، التي تحلم أن تكون أستاذة، إلا أنها ستضطر للتوقف عن الدراسة عند القسم السادس، لبعد القسم الداخلي عنها بمدينة ميدلت، ولعدم استطاعة أسرتها الإنفاق على دراستها..
في المنحدر، مسجد متواضع، بلا إمام، ولا آذان، ولا طلبة ولا طالبات يتحلقون حول ألواحهم المضمخة بالصمغ وصدى ترتيلهم يتردد بين القمم،.. ككل مساجد قرانا المغربية..
النساء كادحات، والرجال معطلون يدخنون على الطرقات جماعات… ولعلها مفارقة غريبة : فقر مدقع وتدخين شائع بين الكبار والصغار على السواء!
المسافة من “تونفيت” حيث كنا نقيم إلى “بوتسرفين” حوالي 37 كلم، والطريق بين الجبال وعرة واهنة يجرفها أول سيل قبل أن تجرفها الوديان وقد حوّلت مجاريها، والحجارة تتحدى أقوى السيارات، فكنا نتوقف مرارا لإزاحتها عن الطريق، وكان الأمر صعبا أثناء الليل حين عودتنا من مدرسة بوتسرفين إلى بوتنفيت…!
كم أود الاحتفال بالمرأة في هذه القرية النائية، وفي كل بقعة من وطننا العزيز، ليس يوماً واحداً في السنة، بل دائما وأبدا، وذلك عبر :
1- تعليمها وتمدرسها ومحو أميتها وتوعيتها بدينها، وأوجه نداء إلى السيد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بإرسال واعظين من المنطقة يتقنون اللهجة المحلية إلى هذه القرى النائية..
2- تطبيبها وإنشاء مستوصف قريب منها للاهتمام بصحة الأم والطفل..
3- إحداث تعاونيات مدرة للدخل، واستثمار منتوج الصناعة التقليدية المحلية والموارد الأولية المتوفرة. فتعلم صيد السمك خير من التبرع به…!
4- تقوية البنية التحتية من طرق ومواصلات لتنمية قروية شاملة..
5- استثمار الموارد البشرية…
وتحية تقدير للطاقم الاجتماعي والطبي، وأغلبه نساء الذي تجشم عناء السفر من البيضاء والرباط إلى هذه القرى النائية لجماعة تونفيت بإقليم خنيفرة..!
وكل التحية لنساء هذه القمم النائية..
وترى بأي حال ستعود ياعيد المرأة..؟!