ذة. أمينة المريني
لاشك أن المتأمل يلاحظ إخفاقا بينا في القدرة على توجيه الأبناء توجيها صحيحا… ويكاد الكثيرون يجزمون بتحقق هذا الإخفاق وقد كثرت المشاجب التي تلقى عليها العلل فمن قائل إنه عامل السن الطائشة وما يستتبع ذلك من تصورات وأوهام جانحة.. ومن زاعم بأن العولمة قد طالت أذرعها وامتدت بالاحتواء والاستلاب وهدر هوية الأفراد والمجتمعات.. فكان ذلك الغزو المقيت للقيم والأخلاق والنفوس مع تسليع الأفكار والأجساد والأشياء.. وما نتج عن ذلك من مظاهر الانفتاح السلبي والتسيب..
ومن زاعم بأن المحيط الاجتماعي الواسع بما يربطه بالمراهق من صلات وشيجة لاتخلي مسؤوليته وهو محيط يفتح المراهق على السمين والغث والجيد والرديء… وأعتقد أن العوامل السابقة تتكاثف لتلقى على مشجبها المسؤولية.. وأتساءل هل يستطيع المربون تسييج حياة المراهق ودرء عوامل التأثر عنه وكم سمعنا عن أباء صالحين ابتلوا في أبنائهم.. فكان الغرس خبيثا والأكل فجا..
إن الواقع التربوي أخطر مما يمكن ان يتصور..واقع أصبح مباءة داخل البيوت والمدارس وفي الشوارع وهو مد طاغ لا أعتقد أن التوصيات والمؤتمرات والندوات والتشريعات التربوية تستطيع أن توقفه.. والدليل أن يصنف المغرب في مجال التعليم بعد غزة الجريحة وأي جرح أعمق من أن تمتد سكاكين الوأد إلى فلذات أكبادنا.. وأي ذبح أبشع من أن نسمع عن المخدرات تباع في بوابات المدارس وساحاتها وحين نشاهد هذا الاختلاط الماجن بين التلاميذ والتلميذات وما نجم عنه من ظاهرة المخادنة ولا هم للأبناء سوى شعر مقصوص وسروال ممزق وعورة مكشوفة… وما أبعد وجه أبنائنا عن وجوهنا بالأمس حين كنا نتضرج خجلا ونتصبب عرقا من أستاذ يقبل أو مدير يلوح.. نعم لم تعد الوجوه هي الوجوه فالسحنات وقحة والأسنان مكشرة والمفاتن مبذولة والأخلاق مرذولة.. والمربون مغلوبون على أمرهم.. فياللكارثة كلما أغدقت النعم استفحلت النقم وقارن الدلال الذل… وأرى أن الكثيرين تخلوا عن المسؤولية كل من موقعه فلا الآباء معنيون.. بأمر الله ولا المعلمون مخلصون في الاضطلاع بالأمانة واذ ألقي الحبل على الغارب انفلت الزمام وغيب قيام التقوى وواجب الدعوة حتى صدق حكمه تعالى {وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بيس بما كانوا يفسقون} صدق الله العظيم.
ولعل هذه الابتلاءات الجلى التي تفرخ بين سحرنا ونحرنا لهي عقاب رباني بسبب تعطيل فرض الدعوة وخصوصا في أمر التربية .عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا ثم تدعونه فلا يستجيب لكم))(رواه الترمذي). وما أيسر أمر الدعوة في مجال التربية مع المراهقين إذا نهجت اللين ولم يغلظ المربي ولم يعتمد الفظاظة وكان سمحا عطوفا وقام الترغيب عنده مقام الترهيب وهذا متحقق بسعة صدره وتحليه بفضيلة الصبر والإحسان.. وما أكثر انعطاف قلوب المراهقين إلى مربيهم الذي لا يعنتهم بالقسوة والتوبيخ ولا يرهقهم بالمقال الثقيل والخطب الجوفاء.. وانما يحبب إليهم الفضيلة بالقدوة والمثل الحي وبالتوجيه الذكي وبالنصح الجميل وبالثواب الحسن..
إن مستجدات الحياة لا يمكن أن تسقط فريضة الدعوة عن المربي أيا كانت علاقته بمن يربيه.. وكل بحسب موقعه وبالوسيلة التي يتيحها هذا الموقع.. وكم سمعنا من يلتمس العذر للانحرافات باسم السن والعصر والحداثة ويسمي الموبقات بغير اسمائها… ولذلك غضت الأمهات الطرف عن الفتاة متبرجة وسكت الأب على الإبن متسيبا ونام المعلم عن التلميذ منحرفا وكثر الخبث…أفنهلك يا رسول الله وفينا الصالحون ولا أخال إلا الحبيب عليه السلام قائلا لزينب بنت جحش ((نعم إذا كثر الخبث)).
أتذكر في خاتمة هذا المقال واقعتين إحداهما قديمة والثانية حديثة فأما الأولى فعن سيدة موظفة لقيتني مرة واحتضنتني بحرارة وعلامات التأثر بادية على محياها وقالت لقد امتدت يدي مرة إلى الرشوة ثم رددتها على الفور حينما انتصبت امامي من ذلك الزمن السحيق وأنت تحدثيننا أيام الدراسة عن القناعة والتعفف فوالله ما أخذتها قط بسببك*. أما الواقعة الثانية فعن تلميذة صغيرة جاءتني قبل أيام عند الفسحة الدراسية تذكرني بصلاة العصر.. دمعت عيناي سرورا بها ولسان حالي يقول مازال في أمة المصطفى خير.. يا هاجر.