اختل الفهم في إدراك حقيقة الحياء في زمننا هذا، إذ أن المرأة التي تستحيي أن تسأل في الحيض والنفاس، وأمور الجماع والفراش قد تجدها كشفت مفاتنها أمام عامة الناس، فنعوذ بالله من هذا الوهم وسوء الفهم، إذ أننا نجد النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على المرأة الحياء عند البحث عن دينها بالاستفتاء، فعن أنس رضي الله عنه قال : جاءت أم سُليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له وعائشة عنده : يا رسول الله المرأة ترى ما يرى الرجل في المنام، فترى من نفسها ما يرى الرجل من نفسه، فقالت عائشة : يا أم سليم فضحت النساء تربت يمينك، فقال صلى الله عليه وسلم لعائشة : بل أنت تربت يمينك، نعم فلتغتسل يا أم سليم إذا رأت ذلك))(رواه مسلم).
فلما أنكر ا لنبي صلى الله عليه وسلم على عائشة وأقرّ أم سليم، قالت عائشة قولتها المشهورة في نساء الأنصار التي يرويها الإمام مسلم في حديث أسماء بنت شكَل أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض فقال : تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطهور ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكاً شديداً حتى تبلغ شؤون رأسها ثم تصب عليها الماء ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها. فقالت أسماء : وكيف تطهر بها فقال : سبحان الله تطهر بها، فقالت عائشة كأنها تخفي ذلك، تتبعي أثر الدم.
وسألته عن غسل الجنابة فقال : تأخذ ماء فتطهر فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه حتى تبلغ شؤون رأسها ثم تفيض عليها الماء. فقالت عائشة رضي الله عنها : نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين))(رواه مسلم).
ونعم الرجال السادة الأنصار فقد كان الرجل يأذن لزوجته أن تسأل في الأمور الجنسية، وما كا نوا يرون أن ذلك يتنافى مع الحياء عند النساء، ونحن اليوم قد يأذن الرجل لامرأته أو بنته أن تمزق الحياء بلباس فاضح مكشوف ولا ينتابه بذلك أدنى حرج ولا خوف، قبَّل رجل من الأنصار امرأته وهو صائم، فأمر امرأته أن تسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فسألته فقال صلى الله عليه وسلم : إني أفعل ذلك، فقال زوجها : يرخص الله لنبيه فيما يشاء، فرجعت، فقال صلى الله عليه وسلم : أنا أعلم بحدود الله وأتقاكم))(رواه عبد الرزاق).
وقد كانت المرأة تأتي النبي صلى الله عليه وسلم لتسأل في أمر شديد الحساسية الجنسية، فتضعف عن مباشرة السؤال بنفسها، فتسأل على لسان إحدى أمهات المؤمنين، ولا تستحيي السائلة من حضورها وهي صاحبة المسألة، فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت : لما قدم المهاجرون المدينة على الأنصار تزوجوا من نسائهم وكان المهاجرون يجبُّون -أي يأتون نساءهم من الوراء في الأمام- وكانت الأنصار لا تجبِّى، فأراد رجل من المهاجرين امرأته على ذلك، فأبت عليه حتى تسأل النبي صلى الله عليه وسلم قالت : فأتته، فاستحيت أن تسأله، فسألته أم سلمة، فنزلت {نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم}))(رواه مسلم).
فهي ظنت أن ممارسة زوجها تتنافى مع ضوابط الحلال والحرام في الجماع، فخشيت الوقوع في المحظور، كما كانت تخاف على نفسها الفتنة إذا كا ن زوجها لا يشبع غريزتها، ولا يحقق تمام تحصينها فتشتكي من ذلك بلا حياء، فقد قالت عائشة رضي الله عنها : جاءت امرأة رفاعة القرظي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالسةٌ وعنده أبو بكر فقالت : يا رسول الله إني كنت تحت رفاعة فطلقني فبتّ طلاقي، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وأنه والله ما معه يا رسول الله إلا مثلُ الهدْبة -وأخذت هدبةً من جلبابها- فسمع خالد بن سعيد قولها وهو بالباب لم يؤذَن له، قالت : فقال خالد : يا أبا بكر : ألا تنهى هذه عما تجهر به عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فلا والله ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا متبسما)).