عبدالمجيد التجدادي
أتذكر يوما أنني كنت في مكتبة أبحث عن الجديد في عالم الكتب؛ فوجدت أحد رجال التربية و التعليم يتفاوض مع صاحب المكتبة على أثمنة عدد من الكتيبات، فسمعته يلح عليه في تخفيض الثمن رغبة في أخذ كتيبات أكثر كي يوزعها جوائز على تلامذته المتفوقين في القسم، عسى أن تكون تشجيعا لهم واستنهاضا لهمم غيرهم . وقد بدا لي من خلال كلا م الزبون أنه يكن محبة خاصة لتلامذته جعلته يجود بقسط من ماله الخاص لإسعادهم.
ما كاد هذا المعلم العطوف ينصرف عن المكتبة حتى دخل علينا رجل تربية وتعليم آخر بادر صاحبَ المكتبة بالسؤال عن أحواله بكلمات مُمازحة فهمت من خلالها أن بينهما معرفة قديمة ؛ فبادره صاحب المكتبة ممازحا كذلك على ما يبدو بسؤال عن سبب قدومه إلى المكتبة : ((هل تريد أنت كذلك أن تقتني كتبًا جوائزَ لتلامذتك المتفوقين))؛ قهقه المعلم عاليا ثم سأل مستنكرا : ((ومن قال لك أنني أنا من ولدهم؟!))، ثم استطرد قائلا بصوت يكاد يكون خافتا : ((من أراد منهم أن يتعلم فذاك شأنه، و من لم يرد فذاك شأنه ؛ فما دخلي أنا؟!)) .
… فعلاً ، كانت مقابلة تاريخية قدر الله لي ــولغيري عبر هذه المقالةــ أن أشهد عليها ما بين صنفين من رجال و نساء التربية و التعليم تشكل اليد الطولى لجهاز التعليم ببلادنا . صنفٌ يُكن الحب والعطف لتلامذته حتى لكأنهم قطعة منه ، فتراه يجاهد لتأدية رسالته تجاههم كما يجبــ وقد يزيد عن ذلك الكثير إحسانًا منه يتجاوز العدل المفروض عليه . و صنف لا مبالي، لا محبة و لا عطف ، لا يهمه من عمله في جهاز التعليم سوى تلك الأجرة البخسة التي يأخذها عند أول كل شهر، ثم ((و ليكن الطوفان من بعدي)).
فتبادر إلى ذهني سؤال : أيُّ ذانك الصنفين يا ترى له الحظ الأوفر من حيث العدد ؟ أهو صنف الأمل أم هو صنف اليأس؟
وأخذت مخيلتي تتخيل عطاء هؤلاء وعطاء أولئك ؛ فخلصت إلى أن صنف الأمل هم أمل الأمة لانقاذها من الجهل والأمية، والرفع من قيمة ثروتها البشرية كي تناطح بهم القمم و أن صنف اليأس هم خيبة هذه الأمة الذي يمرغ كرامتها في الوحل .
لكن السؤال السابق كان ما يزال يلح علي : لمن الحظ الأوفر في العدد ؟ ألصنف الأمل أم لصنف اليأس ؟
… و طالعت بعد أيام من ذلك أن مرتبة المغرب على الصعيد العربي فيما يتعلق بالتعليم بلغت المرتبة الأخيرة (1) …
———
(1) ــ أصدر البنك الدولي تقريره لهذا العام بخصوص التعليم في الدول العربية، وقد صنف فيه المغرب من بين الدول المتأخرة مع اليمن والعراق من حيث النظام التعليمي الذي يتبعه، كما أنه احتل الرتبة الأخيرة في تصنيف البنك الدولي بين دول المغرب العربي بعد الجزائر وتونس. ونجد هذا التقرير يصنف المغرب في مرتبة أدنى مقارنة مع فلسطين و لبنان اللتان تشهدان تميزا في نظامهما التعليمي رغم ما تعانياه من عدم استقرار واضح و ضعف في الميزانية !!..