دة. آمنة اللوه
عطاء كبير وجحود غير مبرر
وفي الأخير أقول : إن الله وهب لها ذاكرة قوية، وعقلا راجحا وآراء سديدة، ذلك من فضل الله عليها..
إنها ابنة فاس، وفاس كانت عبر التاريخ مصنعا للرجال والنساء على السواء.
إنها امتداد لفاطمة الفهرية مؤسسة جامع القرويين أستاذة في الوطنية بلا منازع، أوقفت حياتها على وطنها دون أن تنتظر جزاء ولا شكورا..
ملأت حياتها بما ينفع الناس، فرحمة الله عليها، وفي جنة الخلد مقامها إن شاء الله!
وقبل سنوات كنت أخطط لكتابة دراسة موسعة عنها، وذلك من منطلق معايشتي لها، ومن منطلق إعجابي بها أيضا، فأعددت جملة من الأسئلة، مساهمة مني في توعية الأجيال الحاضرة والآتية بأصالة هذه المرأة وعبقريتها وتفانيها في خدمة بلدها.
وعرضت عليها الفكرة فرحبت بها وابتهجت وبدأنا العمل..
ولكن!
وتقدرون فتضحك الأقدار…!
فقد جرفتني أعاصير الأيام، وصرفتني -وأنا مرغمة- عن إنجاز هذا العمل، فانشغلت بأمور أخرى كانت ملحة، مؤجلة النظر فيما بدأته إلى حين..
ثم جاء أمر الله، ولا راد لقضاء الله، وبقيت أسئلتي بلا جواب.. {لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير}.
وفي يوم العزاء تحدثت إلى كريمتها العزيزة فاطمة الزهراء عن مصير أسئلتي، وأبديت لها أسفي البالغ لضياع الفرصة، فطمأنتني بأن لديها كل الأجوبة وأنها مستعدة لتزويدي بها.
قدرت فيها هذه الأريحية وقلت : هذه العصا من تلك العصية فهي التي رافقت والدتها كثيرا، ولم تكن تبتعد عنها إلا لماما، ثم إنها كثيرا ما كانت تنوب عن والدتها في شؤون الجمعية.
إن لها إحساسا كبيرا بالعمل الاجتماعي، وقد أخذت عن والدتها الكثير من سجاياها، وأراها سائرة على خطاها إن شاء الله.
وبعد،
فتلك أيام خلت بكل حمولتها، ولم يبق منها اليوم إلاّ الصدى في وادي الذكريات…
وأتساءل : هذه السيدة الفذة التي فارقتنا في صمت ماذا تلقت من الجزاء الحسن في حياتها الغنية بالعطاء، وعن نضالها الذي لم يتوقف إلاّ يوم الوفاة، والخيول تموت واقفة!
أتساءل لأنني لا أذكر أن تكريما أقيم لها على المستوى الوطني لأن الأفذاذ هم ملك للجميع، ولا منصبا ساميا أنيط بها وكانت جديرة بكل هذا، باستثناء عملها في مشروع محاربة الأمية في أوائل الاستقلال، ولكن ذلك لم يستمر إلا بضعة شهور ثم توقف المشروع.
ولم أسمع بأن وفدا من السيدات العاملات اليوم في شتى الميادين واللائي يتبوأن مراكز القرار، تنازلن فزرنها وعقدن معها جلسات للاستفادة، والاعتراف بفضلها والتعرف عليها كسيدة لا تضاهى..
ثم ماذا قدمت لها الدولة؟
كنت أحتار دائما أمام هذا الجحود، ولا أجد له جوابا..
كنت أتمنى أن تظفر بلقب أول برلمانية في المغرب الحديث فقد كانت جديرة بهذا اللقب لما كان يحفل به تاريخها من جلالئل الأعمال، ولم تكن في حاجة لأن ترشح نفسها في انتخابات مهزوزة، فأعمالها هي التي ترشحها لمثل هذه المهام، وتشهد لها بالجدارة والكفاءة..
الدولة لم تلتفت إلى هذا، وكان جديرا بها أن تفعل، فأنا أعرف دولا عريقة تختار من بين نسائها المشهود لهن بالنضال من تراها كفؤا لمنصب البرلمانية..
وتعتبر مصر الشقيقة نموذجا في هذا الاختيار..
يظهر، أننا في المغرب، مع الأسف الشديد، لا نقدر قيمة ما نملك، ولاسيما إذا تعلق الأمر بشخص له من المميزات ما يجعله أهلا لكل تقدير، وتكريم…
في يوم العزاء، وأنا جالسة مع إحدى كريماتها، أتاها شخص بنسخة من البطاقة الوطنية المتعلقة بوالدتها، ألقت نظرة عليها، ثم أسرّت إليّ وهي تضع أصبعها على البند المتعلق بالعمل وقد كتب فيه : بدون، وهمست لي في ألَم : انظري، أليست مهزلة، أن تكون الوالدة رغم كل أعمالها الوطنية والاجتماعية تعتبر بدون عمل؟
شاطرتها ألمها وغصتها وعلقت : إنه الجهل القاتل!
أسجل هذا للحقيقة وللتاريخ
وأسجل هنا، وبكل امتنان، أنه في السنوات الأخيرة، حظيت بوسام رفيع من صاحب المآثر الكبرى صاحب الجلالة محمد السادس نصير المرأة، حفظه الله ورعاه…
هذه بعض الملامح التي عرفتها عن صديقة العمر
وهي لا تعدو أن تكون غيضا من فيض..
وبهذه المناسبة أقترح ما يلي :
1- اطلاق اسمها على إحدى قاعات جامعة القرويين.
2- تسمية بعض الشوارع الرئيسية باسمها في أي مدينة من مدن المغرب..
3- اطلاق اسمها على بعض مدارس البنات.
رحم الله فقيرتنا، وأسكنها فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا..
وصبرا جميلا لأبنائها البررة ولكل محبيها.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.