صلاح الدين دكداك
باحث جامعي في الفقه و القانون بصف الدكتوراة بكلية الشريعة بفاس
الحمد لله الذي أبرز الحقائق بجواهر الكلمات، وزين الأجناس بزينة كواكب الإشارات من العبارات، والصلاة والسلام على العلم المفرد الذى أَطلعه الله على السر المصون، فأخبر بما خفي عن العيان والجنان مما كان وما يكون.
أما بعد فلقد جاءت الشريعة الإسلامية رحمة للعالمين لتشمل بأحكامها جميع الناس بشتى ألوانهم وأجناسهم وشرائحهم الاجتماعية، إلا أن فهم هاته الأحكام لم يعط لعامة الناس بل للراسخين في العلم والمتفقهين فيه فقط، وفي هذا الصدد نجد وللأسف الشديدأن بعض العوام الجهلة يتطاولون على تفسير النصوص الشرعية فيفسرونها بتفسيرات مغلوطة تنتشر بين الناس، ومن بين هاته التفسيرات الضالة على سبيل المثال لا الحصر ما نسمعه في مجتمعنا من اتفاق بعض العوام على وصف المرأة بأحقر الأوصاف وأرذلها و بأن الأصل في أخلاقها الفساد لأنها خلقت من ضلع أعوج مستدلين بحديث النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة ] : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : >إن المرأة خلقت من ضلع، لن يستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها))(سنن البيهقي الكبرى). وكذا بوصفها بأنها ناقصة عقل ودين وبأن قدراتها العقلية أقل من قدرات الرجل مستدلين بحديثه صلى الله عليه وسلم القائل : >يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار فقالت امرأة منهن جزلة ومالنا يا رسول الله أكثر أهل النار قال تكثرن اللعن وتكفرن العشير وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن قالت يا رسول الله وما نقصان العقل والدين، قال : أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل وتمكث الليالي ما تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين))، وحدثنيه أبو الطاهر أخبرنا بن وهب عن بكر بن مضر عن بن الهاد بهذا الإسناد مثله))(صحيح مسلم) وكل ذلك من أجل بيان أن الأصل في المرأة الفساد وسوء تقدير الأمور، وذلك لفهمهم السطحي لمضامين الأحاديث النبوية الشريفة والتي وصفت المرأة بأنها خلقت من ضلع أعوج وبأنها ناقصة عقل ودين، والحقيقة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد بذلك التقليل من شأن المرأة فالنساء كما نعلم شقائق الرجال في الأحكام، والنصوص الشرعية التي تكرم المرأة في الإسلام لاتعد ولا تحصى، وإنما قصد صلى الله عليه وسلم ببلاغته وحكمته المعروفة أن المرأة كزوجة مثلا خلقت ذات طبيعة مختلفة عن الرجل ولهذا يجب على الزوج أن يتعامل معها مراعيا تكوينها الفطري الذي خلقها الله عليه وأن لا يحاول أن يكيفها حسب هواه،لأن الضلع الأعوج إذا حاولت أن تقوم اعوجاجه انكسر، والانكسار هاهنا كناية عن نشوب عدة مشاكل بين الزوج والزوجة قد تؤدي إلى الطلاق مثلا أو إلى ما لا تحمد عقباه كما أن الاعوجاج في الحديث معناه الاختلاف لا الفساد، أما قضية نقص عقل المرأة ودينها، فببساطة فنقص عقل المرأة مرده إلى نصاب الشهادة،فمعلوم أن شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد، وليس في ذلك إنقاص من عقل المرأة وذكائها بل هو مراعاة للظروف النفسية العصيبة التي تعرفها خلال فترات من الشهر أو السنة كفترة الحيض والحمل والنفاس، وكل هذه الظروف من شأنها أن تؤثر وتشوش على تفكيرها فتضل في آداء الشهادة فتذكرها الشاهدة الثانية بما قد غفلت عنه، وهذا ما أكدته الآية الكريمة حيث قال الله جل شأنه :{واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى}(البقرة : 282).
وكخلاصة لهذا الموضوع الهام لابد من الجزم بتكريم الإسلام للمرأة في جميع الأمور والمجالات، وبأن فهم النصوص الشرعية عموما أو التي لها علاقة بالمرأة المسلمة خصوصالم يؤت لكل واحد، بل للباحث المتفقه في دينه المتبحر في دقائقه ومعانيه الحكيمة، وذلك مصداقا لقوله تعالى : {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِِ}(آل عمران : 7).
فالحمد لله وكفى وصلى الله على نبيه المصطفى. والله أعلم بالصواب وهو الهادي إلى سواء السبيل
———-
(*) باحث جامعي في الفقه والقانون بصف الدكتوراه بكلية الشريعة بفاس.