معلوم أن العلم لا ينال براحة الجسد، وهذه حقيقة أدركها أصحاب رسول الله ، ومن ثم بذلوا أموالهم وأوقاتهم رغبة في العلم وشغفا به، وربما رحل بعضهم مئات الأميال كي يسمع حديثاً واحداً.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : بلغني عن رجل حديث سمعه من رسول الله فاشتريت بعيرا، ثم شددت رحلي، فسرت شهرا حتى قدمت الشام فإذا عبد الله بن أنيس رضي الله عنه، فقلت للبواب، قل له : جابر على الباب، فقال : ابن عبد الله؟ قلت : نعم، فخرج يطأ ثوبه فاعتنقني واعتنقته، فقلت : حديث بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله في القصاص، فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن أسمعه، فقال : سمعت رسول الله يقول : “يحشر الناس يوم القيامة -أو قال : العباد- عُراة غُرلاً بُهْماً” قال : قلنا : وما بُهْماً؟ قال : “ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعُدَ كما يسمعه من قرُب : أنا الديان، أنا الملك. لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقضيه منه، ولا ينبغي لأحد من أهل النار عنده حق حتى أقضيه منه حتى اللطمة.. قال : قلنا : كيف هذا، وإنما نأتي عُراة غُرلاً بُهْماً؟ قال : “الحسنات والسيئات”(أخرجه البخاري في الأدب المفرد).
وعن عبد الله بن بريدة أن رجلا من الصحابة رحل إلى فضالة بن عبيد رضي الله عنه وهو بمصر في حديث واحد. فقدم عليه وهو يَمُدُّ لناقة له، فقال : مرحبا، قال : أما إني لم آتيك زائراً، ولكن سمعت أنا وأنت حديثا من رسول الله رجوت أن يكون عندك منه علم، قال : ما هو؟ قال : كذا وكذا(أخرجه أبو داود).
فانظر أخي إلى الهمم كيف كانت، وتأمل كيف صارت في زماننا رغم أن سبل طلب العلم تيسرت، وغدت كل مظانه في متناول الطالبين، فأصبح بوسع طلاب العلم أن يحصلوا على الموسوعات العلمية في شتى الفنون، ويصلوا إلى المعلومة دون كبير تعب ولا عناء، ويسترشدوا بالعلماء الربانيين الذين لا يخلو بلد منهم، ولكن أين الهمم المتقدة؟ والنفوس التواقة؟.