لم أتابع من مباريات كأس إفريقيا للأمم إلا دقيقة واحدة وثلاثين ثانية من آخر لحظات المباراة النهائية التي جمعت بين المنتخب المصري والمنتخب الكامروني، وقفت أنتظر صفارة الحكم ليعلن نهاية اللقاء بفوز المصريين بالكأس، فكان ما شاهدته سبباً لكتابة هذا المقال :
إن ما شد انتباهي هو مظهر أبي تريكة يتهرب من أصدقائه الذين حاولوا معانقته احتفاءاً بالفوز حيث لم يسمح لهم بمعانقته إلا بعد أن يسجد لله رب العالمين الذي وفقه لتسجيل الهدف الوحيد في المباراة، هذا البطل الذي أبلى البلاء الحسن، فكان بطلا في الرياضة التي يمارسها، وبطلا في تميزه كمسلم لم ينس قضايا إخوانه حتى وهو في أوج عطائه الذي يُنسي الكثير من الأبطال فضل ربهم عليهم فتغريهم نشوة الفوز وفرحة الشهرة بأن يقوموا بأعمال وحركات بهلوانية ينسون معها المبادئ والأخلاق والأعراف وتأخذهم العزة بالإثم وينطلقون بلا حَسِيب ولا رقيب أمام الكاميرات العالمية الحريصة على تسجيل الهفوات والثغرات.
إن صاحبنا أبا تريكة المصري أراد أن ينسب الفضل لصاحبه وهو الله عز وجل الذي أعطى الصحة ووهب التقنية ومَنّ بالرشاقة والخفة فكان من الساجدين.
هذه اللقطة جعلتني أتساءل عن سبب انتصار المصريين، وهزيمة المغاربة؟
- فتذكرت أن هذا اللاعب هو الذي جعل الدنيا تقوم ولا تقعد بسبب إظهاره للقميص الذي كتب عليه “تضامنا مع غزة” بالعربية والإنجليزية ليسجل موقفه ويعلن عن مبادئه فكان رد الفعل من المسؤولين عن الكرة في العالم أن عقدوا مجلسهم الطارئ للحكم على هذا المسلم بالطرد من المنافسات لأنه تعاطف مع غزة ومع شعب غزة في فلسطين المحتلة. وكان رد الفعل أن سحبت صوره من موقع >گوگل< في حين لم تقم الدنيا ولم تقعد عندما أخرج أحد اللاعبين الأفارقة في كأس العالم الأخيرة علم الكيان الصهيوني عندما سجل هدفا وأخذ يطوف به في أرجاء الملعب أمام أعين الشاشات.
وأبو تريكه هذا له سوابق أخرى مماثلة فهو الذي فعل نفس الشيء عندما أظهر قميصه في حملة الإساءة للنبي وقد كتب عليه عبارة >فداك يا رسول الله<.
- هذا اللاعب بسجوده سجد اللاعبون جميعهم وسجد مدربهم المصري الجنسية في وسط الملعب وكانوا كلما سجلوا سجدوا فكان الله معهم في كل حال، وكانوا كلما تكلموا إلى وسائل الإعلام تلمس في ارتساماتهم نبرة الانتماء لأمة الإسلام فكان لسانهم رطبا بذكر الله ودعائه والرجاء في فضله.
وكانوا في الميدان كأنهم الفرسان يذودُون عن قميصهم الوطني وعن انتمائهم الحضاري، فبشهادة المتفرجين كانت روحهم القتالية حاضرة واستماتتهم عالية لأنهم اختيروا لتمثيل بلدهم فوجب أن يكونوا خير مثال وقد كانوا.
كانوا كلهم يلعبون في النوادي المصرية ولم يكونوا محترفين بالأندية الأجنبية.
وكان مدربهم إطاراً وطنيا يقدر معنى الوطن والواجبات تجاه الوطن.
كانوا متضامنين متحابين وتجلى ذلك عندما هدد الاتحاد الإفريقي بطرد أبي تريكة لأنه رفع شعاراً له دلالة سياسية، فكان أن قرر الوفد المصري الانسحاب من البطولة إذا ما تم طرد صاحبهم. المهم أن المصريين كانوا رساليين حتى وهم يلعبون الكرة، وسجلوا مواقف تكتب بماء الذهب وسجل أبو تريكة أعظم أهدافه فذكر إخوانه في غزة في ملإ سيحفظه له الله تعالى وسيذكره في ملإ خير منه، وحاول المستاؤون أن يحذفوا اسمه وصوره من شبكة گوگل ولكنها نقشت في قلوب وعقول المسلمين عبر قارات العالم وأحبَّهُ كل من شاهده من المسلمين أو سمع عنه ودعوا له.
إن ما قام به المصريون وفي مقدمتهم أبو تريكة هو عين الصواب فالمسلم مسلم أيْنما حل وارتحل، رسالته في قلبه، ومبادئه بادية على سلوكه، وعزته ظاهرة في أنفته.. ولا تفوتني الفرصة لِأن أنوّه بأن هنالك أمثال أبي تريكة.
فهناك اللاعب المالي محمد جارا الذي كان يلعب مع فريق ريال مدريد سجل له التاريخ أنه أول مسلم يسجد على الملاعب الإسبانية.
وأما كالوتي المالي أيضاً وقد اختير أفضل لاعب إفريقي لعام 2008 وهو المعروف بالتزامه كمسلم. ومما يحفظه له التاريخ أنه أنفق أكثر من مليون “يورو” ليوقف قراراً بإغلاق مسجد في إسبانيا. هؤلاء أصحاب المبادئ.
وأما أسود الأطلس فعلى حد علمي أن الأسود قد انقرضوا من غابات المغرب منذ عهد طويل ولم تتح لي فرصة مشاهدة الأسود إلا في حديقة الحيوان أو على شاشات التلفزيون.
وأما قوة أسود الأطلس فلم تظهر إلا كما يظهرها الشاعر حيث يقول : أسد علي وفي الحروب نعامةٌ.
وأنا أقول إن قوة الأسود لم تظهر إلا في المباراة الأولى مع فريق ضعيف. لقد أصيب المغاربة بخيبة أمل كبيرة وأصيب ناس بجلطات عقلية وقلبية وتأثرت نفوس وفقد الجميع الثقة في الأسود.
خسر المغاربة ورجعوا يجرون أذيال الخيبة لأن الوفد المغربي إلى “غينيا” لم يكن مغربياً خالصاً، فالمدرب من أبناء الاستعمار ولست أدري كيف ينسى المغاربة ما فعله أجداد “هنري ميشال” في هذا الوطن وما يزالون. ولست أدري ما الذي حققه هذا المدرب في سنوات خلت مع الفريق الوطني حتى نعاود التعاقد معه براتب شهري يبلغ 70 مليون سنتيم ناهيك عن الامتيازات الأخرى؟!
وأما اللاعبون فلست أدري ما الذي يجمعهم بهذا الوطن إذا كانوا لا يستطيعون الكلام بالعربية ويفضلون الفرنسية والإنجليزية حتى أمام وسائل الإعلام العربية، بل إن منهم من لا يحفظ حتى سورة الفاتحة؟!
ولست أدري ما الذي يمكن أن يقدمه لاعبون جلهم يحمل جنسية أخرى غير المغربية وكل همهم الحفاظ على أرجلهم سليمة حتى يعودوا إلى وطنهم الأم في فرنسا وغيرها من دول أوروبا ليبذلوا وسعهم كاملا في الدفاع عن القميص المفضل عندهم؟!
وختاماً لست أدري كيف ينتصر فريقنا الوطني وقد منع حارسه الأول طارق الجرموني من مرافقته إلى غينيا لا لشيء سوى لأنه ذهب إلى الحج فكان جزاؤه العزل والإقصاء وكانت النتيجة أن هزمنا الله، لقد منع المسؤولون عن قطاع الرياضة في بلدنا العزيز أسداً من أسود الأطلس الحقيقية وعوضوه بمن لا يحسن حتى الوضوء وعينوا مدربا نصرانيا لا يجيد إلا مضغ “العلك” والجلوس بدم بارد على الكرسي.
وتخلوا عن الأطر الوطنية من أمثال الزاكي الذي كان أسداً فعلا فكانوا كمن أوكل الذئب وغيب الراعي.
لهذه الأسباب انهزمنا، ولتلك الأسباب عز المصريون. فهنيئاً لكم يا أهل مصر بالروح الوطنية والأطر الوطنية والنجوم الوطنية وهنيئاً لكم بالكأس الإفريقية التي لم تحرزوها إلا بالروح الوطنية والغيرة الدينية.