إن أعداء الإسلام ما انفكوا يبثون سمومهم الفكرية قصد تشويه صورة المسلمين، يتربصون بهم الدوائر، ويكيدون لهم المكائد، وبيسطون أيديهم وألسنتهم بالسوء للنيل من الإسلام وأهله، يحاولون عبثاً أن يطفئوا نور الله بأفواههم فأبى الحق إلا أن يتم نوره رغم كيد الكفرة الفجرة، قال تعالى : {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يُتم نوره ولو كره الكافرون}(التوبة : 32) يحاولون عبثاً أن يطمسوا الحق ويلبسوه بالباطل. فنسي هؤلاء أو تناسوا أن الحقّ حقُّ ثابت لا يتزعزع، وأنه هو الماكث والدائم والخالد في الأرض رغم أنوفهم المزكومة بالنتن من الأفكار السَّوْآءِ. وقد ضرب الله مثل الحق والباطل فقال عز من قائل : {أنْزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبداً رابياً ومما توقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله، كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض..}الرعد : 17) يقول الشهيد سيد قطب في تفسيره الظلال ما نصه : ثم نمضي مع السياق يضرب مثلا للحق والباطل للدعوة الباقية، والدعوة الذاهبة مع الريح، إن الماء لينزل من السماء فتسيل به الأودية، وهو يلمّ في طريقه غثاءً يطفو على وجهه في صورة الزبد، وهو نافِشٌ رابٍ منتفخٌ ولكنه بعدُ غثاءٌ، والماء من تحته ساربٌ ساكنٌ هادئٌ. ولكنه هو الماء الذي يحمل الخير والحياة، كذلك يقع في المعادن التي تذاب لتصاغ منها حلية كالذهب والفضة أو آنية كالحديد و الرصاص، فإن الخبث يطفو ولكنه بعدُ خبثٌ يذهب ويبقى المعدن في نقاء ذلك مثل الحق والباطل، فالباطل يطفو ويعلو ويبدو رابياً منتفخاً ولا يلبث أن يذهب جفاءً مطروحاً لا حقيقة له ولا تماسك.. والحق يظل هادئاً ساكناً ولكنه الباقي في الأرض كالماء المحيي والمعدن الصريح (من هامش صفوة التفاسير ج الثاني ص 80) والحق إن رُمي على الباطل قمعه وأبطله وأذهبه و لم يبق له أيّ أثر قال تعالى : {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق}(الأنبياء : 18) قال الشيخ ا لمراغي في تفسيره الجزء السابع عشر ص 16 ما نصه : أي إن من شأننا أن نرمي الحق الذي من جملته الجِدّ، على الباطل الذي منه اللعب فيكسر دماغه بحيث يشق غشاءه فيؤدي ذلك إلى زهوق روحه فيهلك. وقد شبه الباطل بإنسان كُسِر دماغه فهَلك… يحاولون عبثاً أن يمحو من ذاكرة المسلمين تعلقهم وتشبتهم بقيمهم النبيلة وأخلاقهم الفاضلة، لقد حاول هؤلاء المُضَلّلون وعملوا وفعلوا المستحيل فأدخلوا البرامج التافهة، وزوّدوا العالم الإسلامي بمسلسلات وأفلام رخيصة هابطة ساقطة عنوا من وراء ادخالها سلخ الهوية الإسلامية، بثّوا سمومهم فتلقّفتْها نفوسٌ خبيثةٌ وأيْد ملوثة فنشرتها في البلاد وبين العباد، ولقد مسنا البأساء والضراء جراء أكل هذه الفواكه الآسنة الضارة غير النافعة!! أكلنا عصارة شعوب خلت وأرِمت، ولم ندْر ما نأكل وماذا عسى البقرة أن تفعل أمام الجزار كما يقال. فلقد مُكِر بنا وحاق هذا المكر السيء بأهله، فما زاد المسلمين إلا إيماناً وتسلمياً، إيماناً بربهم الواحد الأحد. وتسليماً لأمره وقدره، وبأن ما كان من الأعداء ويكون ما هو إلا فتنٌ كقطع الليل المظلم سرعان ما تذبل وتزول. وقد أمر الله بالصبر على أذى الأعداء مهما كان بالسِّنان أو اللسان، فقال تعالى : {لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذىً كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور}(آل عمران : 186) وكيدُهم ومكرُهم وسعيُهم الخبيث هو إلى زوال وذوبان مهما طال به الأمد، وعلى المسلمين حُيَال هذه الفتن والمتغيرات الصبرُ والثباتُ، قال تعالى : {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً}(آل عمران : 120) فالإسلام باقٍ إلى ما شاء الله وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، رغم كيد الكفرة الفجرة، ثم إن خطر هؤلاء مكشوفٌ وبانَ وظَهَر للعاقل فانتبذه وراءه، لكن الخطر الأكبر هو من الداخل، هو من يعيش معك، هو من يتكلم لغتك، من يفهم تحركاتك وسكناتك، الخطر من بعض المُغَرَّر بهم من بني جلدتنا يحاولون الآن جاهدين أن ييئسوا شباب الإسلام من تشبثهم بعقيدتهم، لا يألون جهداً في تفويض كل آمال وتطلعات الشباب المسلم الثابت على القيم الجميلة، يريدون سلخه من ثياب الفضيلة ليلبسوه ثياباً رثة، ثياب الرذيلة والفسق والخلاعة الخ، ففسحوا له مجالات السفه والطيش وفتحوا له قنوات العُرْي والمسخ والخبث والتعرية والتعمية، عوض التربية والتنمية والأدب والاحترام لكن الشباب المسلم اليوم قد وعى هذه الحقيقة وعرف هذا الخطر الداهم فصمّ آذانه عن كل ما هو قبيح، ورّدّ تلك الثياب المبتذلة وأبدلها بلباس التقوى، فالمسلم الذي ذابت روحه في الله وتوطدت صلته بالله، فرضي به ربّاً، وبالاسلام ديناً، وبمحمد نبيّاً ورسولاً، لا يرجع عن دينه القهقرى، مهما فُعِل به، ولو نُشِر بالمنشار من مفرق رأسه إلى أخمص قدميه، يثبت على دينه لا محالة، ومن الثلاثة الذين ذاقوا حلاوة الإيمان كما في الحديث.. وأن يكره أن يعود إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار، وإذاً فجهود من حاربوا الله ورسوله، باءت وستبوء اليوم أو غداً بالفشل الذريع، فهم كحاطب ليل، أو كمن قال فيه الشاعر :
كنا طح صخرة ليوهنها
فأوهى وأذمى قرنه الوَعِلُ
فإن زرعوا اليأس فيسحصدون يوماً ما… الندم
يُجْنُونه جنياً ولكن لات ساعة مندم!!
أبو زيد محمد الطوسي